فى شهادة للصحفى ماجد عاطف، مراسل مجلة نيوزويك وقتها، عن فضّ اعتصام رابعة، وهى إحدى الشهادات الهامة التى استندت إليها منظمة هيومان رايتس ووتش فى إعداد تقريرها عن أحداث الفض، أثار انتباهى مشهد هام لم يلفت انتباهى خلال قراءتى للشهادة أكثر من مرة من قبل.
كان الصحفى الحر قد وصف أن أعداداً غفيرة من المعتصمين قد خرجوا من الاعتصام فى نهاية اليوم فى اتجاه صلاح سالم دون أن تتعرض لهم قوات الأمن، ولكن أحداً من المارة لم يقبل أن يعاونهم، حتى سيارات الأجرة كانت ترفض توصيلهم، وكأن الشعب كان شامتاً فى هزيمتهم واندحارهم.. بالطبع كان هذا قبل أن تنتشر الأخبار عن أعداد القتلى فى فض الاعتصام، وتبدأ الآلة الإعلامية الإخوانية فى تضخيم الأعداد استجداء للتعاطف الشعبى!
يمكنك أن تتخيل كمية البذاءات والشتائم التى تعرّض لها الصحفى، المعارض للنظام بالمناسبة، لمجرد ذكره لذلك المشهد.. وكأن المفترض أن كل معارض للسلطة يصب فى معسكر تأييدهم المطلق. لقد انهالت عليه كتائب الإخوان بأقذع السباب لمجرد إثباته بشهادة حية الرفض الشعبى الذى باتوا يعانون منه!.. والذى كان خطاب منصة رابعة الطائفى الذى أخذ يبث سمومه أكثر من أربعين يوماً على مسمع من الشعب كله، سبباً رئيسياً له!
فى المعتاد يجيد الإخوان إعادة إحياء قضاياهم التى يفرضونها على الرأى العام استجداء للتعاطف، كما أنهم يحاولون الزج بكل من يبدو عليه حتى «عدم الرضا» أو مجرد «الامتعاض» من أداء النظام فى أحد الملفات ليكون أحد أذرعهم، بل يراهنون دوماً على عداء البعض من غير المنتمين لهم لنظام الحكم الواقع.. ربما أكثر من اتفاقهم واتساقهم مع أيدلوجياته أو توجهاته!!
إنها وسيلتهم منذ عهد بعيد.. منذ أن كانوا يسرقون جثث القتلى فى كل اشتباك عقب ثورة يناير ليعلنوا أنها منهم، ومنذ أن صرح مرشدهم بأن قتلى الاتحادية كانوا كلهم من الإخوان، قبل أن يفضح كذبهم «الحسينى أبوضيف» بدمائه التى سالت يومها، وكأن سقوط القتلى منهم هو إثبات لأحقيتهم فى قيادة كتيبة كل من يعارض الأنظمة الحاكمة!!
ولهذه الأسباب فقد أصابتهم شهادة فتى الشاطر المدلل «أحمد المغير» بصدمة عصبية جعلتهم ينفرون ويشحذون أسلحتهم للهجوم عليه فى وسائلهم الإعلامية، أو يحاولون غضّ الطرف عن كلامه وتكذيبه، ثم تغيير دفة الحوار باستمرار ليتناسى الناس ما كتبه وقاله!!
لقد كانت شهادة المغير صادمة للكثيرين الذين انحازوا لمعسكر الإخوان بسبب الدماء فقط، وانبروا ليخوضوا لهم معاركهم السياسية بدلاً منهم فى حلقات النقاش وعلى مواقع التواصل الاجتماعى انتصاراً لمبدأ الظلم ومفهوم المذبحة -الذى كان يُشترط فيه عدم وجود أى محاولات للعنف أو إمكانية للأذى من طرف الإخوان- فتحوّل تأييدهم غير المبنى على إيمان بالفكرة ذاتها لحيرة شديدة.. لم تهدأ حتى الآن..!
المشكلة أنهم لم يدركوا أنهم ليسوا البديل لكل معارضى النظام من الأساس، وأن كثيرين ممن لا يرضيهم أداء السلطة الحالية فى الكثير من الملفات يلتزمون الصمت.. فقط لأنهم يخشون عودتهم!
تصيد الأخطاء للنظام هو أمر طبيعى من جبهة معارضة تسعى لإفساح مجال لها للقبول الشعبى، ومحاولة احتواء كل الفصائل المعارضة تحت راية موحدة هى حق مشروع لكل فصيل يرغب فى معارضة شريفة.. ولكن الإخوان يتميزون باحتراف اصطياد المعارضين الذين لا يمانعون فى خوض معاركهم بدلاً منهم.. وكأنهم يخشون مواجهة الناس بوجوههم القديمة.
فى نفس الوقت، ما زال الإخوان يحاولون الحصول على مكاسب سياسية من معارضى النظام، حتى مع يقينهم أنهم لن يقبلوا بهم بديلاً له فى حال سقوطه أو تنازله عن موقعه.
إنها فقط وسيلة للضغط على السلطة لتقبل الجلوس معهم على طاولة المفاوضات مرة أخرى على الرغم من رفضهم ذلك إبان عزل مرسى، وعلى الرغم أيضاً من دلالات ذلك من انخفاض سقف طموحاتهم وقبولهم التنازل عن كثير مما كانوا يصرون عليه سابقاً. ومما يجعل السلطة تستغل ذلك فتزيد الضغط لقبول الحد الأدنى للشروط، أو لنقل الطلبات التى يطلبونها، لإيقاف تلك الحملة الاقتصادية والسياسية عليه محلياً وعالمياً من جهة، وإيقاف نزيف الدم فى سيناء من جهة أخرى.
باختصار، يحاول الإخوان البقاء فى المشهد كبديل مناسب إذا ما لزم الأمر، يحاولون الحفاظ على صورة نقية لا تلوثها أسلحة المغير التى ظهرت، ولا يعكّرها تبريرهم لقرض البنك الدولى فى عهد مرسى ورفضهم له فى عهد السيسى.. وتظل بكائيتهم الكبرى «رابعة» هى السبيل إلى مكان تحت الشمس مرة أخرى إن تمكنوا من رؤيتها مجدداً..!