رفعت السعيد يكشف في مذكراته: المشير قال «توصلوا لحلول ولا ترسلوا إلينا الكرة».. ثم وجه كلامه للإخوان: اللى متصور إن له نفوذ فى الجيش واهم
صورة أرشيفية
واصل الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع السابق، الكشف عن كواليس إسقاط «مبارك ومرسى» في مذكراته التى نشرتها "الوطن" على 3 حلقات، ويروي السعيد، فى الحلقة الأخيرة تفاصيل الفترة التى تولي فيها المجلس العسكري مقاليد الحكم فى مصر إبان ثورة 25 يناير، ويقول السعيد :" إنه ومع التوتر الذي حدث خلال اجتماع السياسين ورؤساء الاحزاب والتيارات السياسية بالمشير طنطاوي وبعض أعضاء المجلس العسكري: "تحدث الفريق متسائلاً: لماذا لا نثق فى بعضنا البعض؟ ولماذا لا نعلو فوق المصالح؟"أود هنا أن أشير إلى أننى ومع بداية هذه المرحلة من اللقاء الأخير بدأت أسجل ما يشبه محضر اجتماع، فقد أحسست بأهمية الكلمات وحتى الهمسات، وهنا تحدثت أنا، فقلت أطلب الكلمة للمرة الثانية، وقال المشير تقصد للمرة العاشرة، ولم ألتفت لهذه الوخزة، وقلت: «المسألة ليست مصالح شخصية ولا مقاعد برلمانية نحن مقبلون على وضع دستور، وفى الدستور نحن نطالب بدولة مدنية حديثة وهم يحاولون من الآن أن يفرضوا علينا ولاية المتغلب»، وتحدث عصام العريان الذى حاول أن يؤكد للجميع أنه قد تسيد الموقف، فقال: «إذا كنا سنختار مائة فلا يمكن للمائة أن تمثل كل الناس، والدستور بعد صياغته سيعرض للاستفتاء وللشعب الكلمة العليا فى التصويت، وأنا أعتقد أن أزمة الثقة سوف تزول بمجرد أن تبدأ اللجنة التأسيسية مناقشاتها.. ثم قال متوعداً: نحن أمام مسارين مسار يريد الإنجاز ومسار يصر على التفتيش فى النوايا، ويستحيل أن نصمم على الإجماع التام ولكن على التوافق بين الأغلبية فنحن مثلاً نوافق على ما طرحه د. سيد البدوى ما دام الهدف منه هو إنجاز الهدف الرئيسى.. (وهنا تأكدت لى همسة الصامت الدائم) وواصل «العريان»: وهناك مثلاً وثيقة الأزهر وكذلك وثيقة التحالف الديمقراطى وكثيرون متفقون على الوثيقتين بشكل عام وحول طرح د. رفعت لاشتراط نسبة 75٪ للتصويت، فنحن نرى أنه تشكل اللجنة ثم تحدد اللجنة بنفسها أسلوب التصويت. وقال بشكل حاسم: من يعطل يتحمل وحده مسئولية محاولة التعطيل.
وتحدث مصطفى بكرى فقال إن التصويت بأغلبية الثلثين يمثل ضمانة، ومن البداية إحنا قلنا دستور ثم انتخابات رئاسة، لكن خيرت الشاطر صمم الرئاسة ثم الدستور، وأنا أشعر بشرخ كبير إذا انسحب رفعت السعيد.. وإذا غابت روح التوافق البلد هتقع.. وأنا أطالب المجلس العسكرى أن يتدخل الآن لوضع المعايير الملزمة للجميع، وتحدث المستشار الفضالى قائلاً: البعض يعود بنا إلى نقطة الصفر فهل من المعقول أن نسلم مصر لأغلبية مؤقتة؟ ولهذا نحن لا يمكن أن نقبل التصويت إلا بنسبة الثلثين.
ثم تكلم إبراهيم حسين قائلاً: إحنا حريصين على إنجاز الدستور إمبارح مش النهارده والبعض يحاول إغراقنا فى النوايا ويتهمنا بأننا أغلبية وكأن الأغلبية معرة، والبعض يتصور أن كل من يقف مع الإخوان هو إخوان وليعرف الجميع أن اللجنة التأسيسية عندما تنعقد ستكون صاحبة لائحتها وأسلوب التصويت فيها.
وتحدث «السادات» فقال التصويت بأغلبية الثلثين يريح الجميع وأرجو ألا يتركنا المجلس العسكرى فى هذه الحيرة وأن يتدخل ليحسم الأمر.
وهنا تحدث المشير فقال: «أنا عارف أنا أعمل إيه، وسأعمل إيه، وأقول لكم جميعاً وخاصة الأغلبية توصلوا لحلول ولا ترسلوا إلينا الكرة، إحنا مش خايفين إحنا مات مننا كتير فى الحرب ومستعدين نموت، وأنا لن أترك مصر إلا شهيداً. نحن يا د. رفعت نريد أن نترك تاريخنا ناصعاً ولهذا ندعوكم للتوافق، توافقوا يا سادة. أنا بصراحة ممكن أصدر قرار دلوقتى حالاً لكن هذا سيكون قراراً صعباً. وإحنا عارفين إحنا بنعمل إيه، ثم وجه كلامه ناحية الإخوان وقال اللى متصور إن له نفوذ فى الجيش واهم، واهم جداً، إحنا موحدين ولا يؤخذ أى قرار إلا بموافقة العشرين واحد بالإجماع. وأعود لأؤكد أن هذه النصوص قد سجلتها بالنص خلال الجلسة الأخيرة.
ثم تحدث مصطفى بكرى فقال لنضع معيارين 50 +1 للمواد المتفق عليها وثلثين للمواد المختلف عليها، ثم تحدثت فقلت: «المتفق عليه 50 +1 والمختلف عليه يطرح للاستفتاء ومادة مادة». وتدخل عصام العريان محتداً: التصويت 50+1 وفى حالة الخلاف 60+1.
وفى النهاية كان الجميع مرهقين وتم الاتفاق أولياً 50 (تيار إسلامى) 50 (تيار ليبرالى مدنى)، لكن الهمسات التى لاحظتها كانت تسيطر، وقول عصام العريان: «نحن نوافق على ما طرحه د. سيد البدوى ما دام يساعد على إنجاز الدستور»، دفعانى إلى مقاطعة المشير وهو يطرح اقتراح أن الإخوان ستنفذ هذا الاتفاق (وطبعاً لم يكن ملائماً أن أحذر من اتفاق بين البدوى والإخوان دون أن أمتلك دليلاً).
فقال المشير وقد ضاق صدره: «طبعاً مصدق.. هو لعب عيال»، وصاح عصام العريان: «أنا سأخرج دلوقت لأعلن فى المؤتمر الصحفى أننا موافقون»، وأجبته: و«أنا خارج دلوقت ومش هحضر المؤتمر الصحفى حتى لا يتصور أحد أننى موافق وحتى لا أعترض فيتصور البعض أننى أفسدت الاتفاق، رغم تأكدى أن الاتفاق لن ينفذ».
وخرجت.
وقد كان.. فقد تسربت إلينا أخبار عن لقاء حضره فى حزب الوفد حزب النور والإخوان وحزب الوسط واتفق المجتمعون على ما أكد هواجسى وهو اعتبار الوسط حزباً ليبرالياً ومن ثم يدخل ضمن «كوتة» القوى الليبرالية وبهذا تنخفض نسبة الليبراليين الحقيقيين ومعهم الذين يزعمون ذلك، على اختلاف أنواعهم، إلى 49 وتزيد نسبة المتأسلمين إلى 51 مع ملاحظة أن حزب الوفد سينضم طبعاً إلى من اتفق معهم وكذلك حمدين صباحى ورجاله فتصبح النسبة مختلفة تماماً.
ثم وجهت الدعوة إلى أعضاء المجلسين لاختيار الجمعية التأسيسية.. ووزعت فى اللحظة الأخيرة قائمة تضم قرابة الألف مرشح والمطلوب اختيار مائة دون زيادة ولا نقصان وهو أمر يشبه الاستحالة واكتشف الحاضرون أن ثمة قائمة توزع سراً بها المائة اسم، وهى قائمة مغلقة متفق عليها سراً (وهى تضم قوى المتأسلمين + الوفد + حمدين ورجاله + الديمقراطى الاجتماعى + السادات كل بنسب مختلفة مع احتفاظ الإخوان بالأغلبية المطلقة).
وقبل التصويت وقف عاطف مغاورى، عضو مجلس الشعب، ليعلن باسم حزب التجمع الانسحاب من عملية التصويت ومن اللجنة التأسيسية أصلاً. (فقط أود أن أضيف أنه قبل التصويت بيوم اتصل بى أحد قادة حزب الوفد وقال بصراحة نحن نعد قائمة مشتركة فهل نضع أسماء منكم، وقلت لا).
وهكذا بدأ الإخوان ليس فقط رحلة وضع دستور إخوانى وإنما أيضاً رحلة كشف الغطاء عن حلفائهم.
■ ■ ■
وأقفز سريعاً إلى مرحلة حكم مكتب الإرشاد.
إذ بدأت معركة جديدة بأسلحة كتابة جديدة فأنت تخاطب حاكماً وتريد أن تهزم الأسس التى تقوم عليها قواعد حكمه، وهو ليس الحاكم وإنما الآخرون المقيمون فى المقطم إلى جوارى حيث أسكن، والآن القليلون، بل القليلون جداً ممن كانوا يتجاسرون بالكتابة ضد الحاكم الصورى والحكام الأصليين وضد جوهر الفكرة التى تبدت وكأنها انتصرت قد بدأ أغلبهم يقلل من الهجوم والانتقاد بزعم أن إرادة الشعب قد انصرفت إلى انتخاب رئيس إخوانى بغض النظر عن أى شىء، كنت أنا أتصرف وقد تلبستنى حالة تبدت أحياناً وكأنها غير منطقية فى نظر الكثيرين حتى من خصوم القوى المتأسلمة وهى أنهم ذاهبون حتماً. وأن حكم الإخوان لن يبقى طويلاً، وكنت أردد ذلك دوماً دون خوف من الإخوان ودون سند ممن يفترض أنهم ضدهم.
■ ■ ■
وفى صباح أحد الأيام أتى إلى مكتبى الدكتور محمود خيال وهو صديق قديم تعرفت عليه فى إطار جمعية التنوير (د. فرج فودة) وطلب مائة نسخة من كتاب لى أصدرته قبل حكم الإخوان بعامين وعنوانه «التأسلم السياسى - جماعة الإخوان نموذجاً»، طبع الكتيب ثلاث مرات إحداها من مكتبة الأسرة، لكنه نفد بسرعة، وبحثت له ولم أجد، فاقترح أن نعيد طبع الكتاب وأن يتحمل هو وأصدقاؤه التكلفة والتوزيع لأنه كان من المستحيل أن توزعه أى مؤسسة صحفية. واتفقت مع المطبعة فطبعنا ألف نسخة بذات المواصفات وذات الغلاف وذات البيانات بحيث لا يشعر أحد أنه إزاء طبعة جديدة.. وتسلم د. خيال النسخ التى تتوافق مع طاقة توزيعه هو وأصدقاؤه وقمنا نحن بتوزيع الباقى.
ثم كان أن خطر فى بالى أن أجمع ما كتبت عن الإخوان و«مرسى» وممارساته منذ وصوله إلى الاتحادية فى كتاب، وبعد مماحكات ومفاوضات مع الطابع اتفقنا على أن يصدر وتم الإيداع باسمى وأن يختفى اسم الطابع وأبقى أنا المسئول.. وقد كان، وصدر الكتاب بعنوان صريح.. وهو «رسائل إلى د. مرسى - مقالات - حوارات - دراسات».
ومع صدور الكتاب تصاعدت مظاهرات النسوة بالدفوف وحملات الهجوم فى الفضائيات وبعض الصحف، وأدركت أننى على الطريق الصحيح.
وكان الذى أزعج «مرسى» ورؤساءه بعض عبارات المقدمة.. ومنها كمثال «والمشكلة فى أيامنا البائسة تأتى من ارتباك المشهد الرئاسى، فلا هو رئيس ولا هو مرؤوس. هو يجلس منتشياً على عرش مهتز، ويسافر، يسافر، يسافر، وكأنها فرصة لن تتكرر (وقد كانت كذلك فعلاً) ويحاول الزعم بأن الزيارات تستهدف استجلاب نفوذ لمصر ناسياً أنه ولو طار حول الكرة الأرضية فإن النفوذ لا يأتى إلا عبر إصلاح الوطن واستقراره وسعيه نحو التقدم، وما من شىء من هذا أتى به»، ورغم عشرات المقالات والتصريحات والحوارات حملت انتقادات أشد قسوة وعنفاً إلا أن عبارة «لا هو رئيس ولا مرؤوس» قد أغضبت «مرسى» أكثر من غيرها.. رغم أن غيرها كان أشد قسوة، أما غلاف الكتاب الذى اتشح بسواد كامل وبعلم مصر مسجوناً فى زنزانة عالية الأسوار.. فقد أغضب الكثيرين من قادة الجماعة.. وأغضبهم أكثر أن اسم الطابع غير موجود وكذلك اسم مصمم الغلاف.. ويبقى محيراً بالنسبة لى كيف ألخص ما ورد فى الكتاب، ليس لكى أتباهى بما لم يتجاسر عليه الكثيرون من ذوى الألسنة الطويلة، والذاكرة المراوغة الذين يحاولون أن يستروا خضوعهم المذل للإخوان وحكمهم وأحكامهم بصراخ يأتى فى زمان أصبح فيه الإخوان سادتهم فى الأمس داخل السجون. لكن نشر بعض هذه الكتابات والأقوال هو بذاته تسجيل لمواقف من الضرورى ذكرها وممارسات تعبر عن جزء من ذكريات عزيزة إلى قلبى.