لأن الكل يجمع على أن الإعلام شريك رئيسى فى صناعة الرأى العام، حاولت بادئ ذى بدء أن أفهم ما الذى نعنيه بالرأى العام، فوجدت تعريفات متعددة؛ منها على سبيل المثال تعريف د. جمال سلامة أنه «التعبير العلنى والصريح الذى يعكس وجهة نظر أغلبية الجماعة تجاه قضية معينة فى وقت معين.. وفى رأى لعبدالمنعم سامى أنه «التعبير عن آراء جماعة من الأشخاص إزاء قضايا تهمهم، سواء كانوا مؤيدين أو معارضين لها، بحيث يؤدى موقفهم إلى التأثير السلبى أو الإيجابى على الأحداث فى لحظة معينة من التاريخ».. ثم وجدت تعريفاً ثالثاً للدكتور حسين عبدالحميد يقول إن الرأى العام هو «حكم عقلى يصدر من جمهور من الناس يرتبطون بمصالح مشتركة إزاء موقف أو تصرف أو مسألة يثار حولها الجدل بعد مناقشة عقلية»، والتعريف الرابع لأستاذ علم النفس دانييل كاتز يذهب لأن الرأى العام هو «الرأى الغالب أو الاعتقاد السائد لدى غالبية فئات الشعب أو الجمهور تجاه أمر أو موضوع معين يدور حوله الجدل، وهذا الإجماع له قوة وتأثير على الموضوع الذى يتعلق به»..
تعددت التعريفات حتى صارت متاهة، فهل الرأى العام على صواب يجب أن نتبعه أو أنه يحتمل الخطأ فوجب تقويمه؟ ومن يملك قدرة مواجهة الرأى العام حتى لو كان خاطئاً إلا من يحاول الانتحار علناً.. تخيل نفسك فى ميدان التحرير يوم 28 يناير 2011 أو يوم 6 يوليو 2012 ومحمد مرسى يلقى خطابه بين الحشود أو يوم 3 يوليو 2013 وتحاول أن تقول رأياً معارضاً للرأى العام السائد بين الآلاف فى نفس البقعة.. هل كنت ستخرج سالماً؟ بالتأكيد لا.. لقد انعقد رأى الجماعة الحاضرة فى مكان ما على رأى معين لا يمكن تغييره أو حتى معارضته بأى شكل حتى بالصمت..
ولقد أحسن الأستاذ العقاد وصف الرأى العام بصورته المجملة وليس فى مكان محدد مثل ميدان التحرير، أو زمان محدد كما أسلفت، بل فى صورته العامة التى رسم لها صورة كاريكاتيرية حين قال: «لو استطعت أن أتمثل الرأى العام فى صورة شخص واحد لرأيته فيلمانياً غاشماً، هائل الجثة، صعب المراس، ضعيف الذاكرة، سريع التقلب، قريب التهيج، سهل القياد، متناقض الأفكار، يقبل كل ما يقال من غير تدبر ولا إمعان.. الساسة والزعماء وجماعة الصحف والأحزاب محتفون بذلك العملاق الغمر يتملقونه ويصاحبونه فلا يكاد يصدقهم بهذه الأذن حتى يكذبهم بتلك، وهو تارة يهم بالبطش بهم وتارة يضحك لهم ملء شدقيه، ولا بد أن يكون كذلك مجموعة أفكار خليط من الناس لا يحتمل أيهم تبعة رأيه شخصياً».
«العقاد» فيلسوف، فلا يأبه للرأى العام ويشبهه بشخص ضخم الجثة، سهل التهيج، ويسخر من الساسة والإعلاميين الذين يعطونه اعتباراً كبيراً فيما يفعلون وفيما يقولون، ولهم العذر لأنهم يعيشون به وعليه، على عكس الفلاسفة الذين ينأون بأنفسهم عن عموم الناس ويعيشون فى قوقعة أو شرنقة تحميهم من كل العوامل المحيطة.. وكما درسنا فى مسرحية «شكسبير» «يوليوس قيصر» أن أكبر خطأ ارتكبه «بروتوس»، زعيم المتآمرين على قيصر، أنه بعد اغتيال الإمبراطور الرومانى كان أن ترك «أنطونيو» يتحدث إلى عموم الناس دون مراقبة شخصية منه، فانقلب الرأى العام الذى كان مؤيداً لقتل قيصر منذ دقائق إلى معارض له، فسقط «بروتوس» وأصحابه لأنه لم يعر الرأى العام الاهتمام الكافى..
الرأى العام فى مصر لا يختلف عن روما القديمة ولا غيرها.. وهذه رسالتى للحكومة والإعلام وغيرهم فى مصر..