منذ يومين، أعلنت وزارة الداخلية عن القبض على خلية إخوانية تستهدف إشاعة «مناخ تشاؤمى» فى البلاد، وأردفت الإعلان بفيديو يشتمل على اعترافات لبعض عناصر الخلية يشرحون فيه مخططهم، وما يسعون إلى تحقيقه. بداءة لا يستطيع أحد أن يبرئ الإخوان من محاولة نشر روح تشاؤمية فى البلاد حول المستقبل، مستخدمين فى ذلك أدواتهم الإعلامية الممثلة فى عدد من القنوات السابحة فى الفضاء، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعى، ويبدو أنهم اهتدوا إلى إعادة إنتاج خطة يرون أنها اتبعت معهم خلال فترة حكمهم، حين كان الإعلام يركز على مجموعة الأزمات المعيشية التى اجتاحت حياة المواطن، فيما يتعلق بالحصول على البنزين وأنابيب البوتاجاز وانقطاع التيار الكهربائى، وارتفاع سعر الدولار وغير ذلك، وترى الجماعة أن التركيز الإعلامى على هذه الأزمات أدى إلى خلق رأى عام رافض لاستمرارهم، مما مهد لقيام ثورة 30 يونيو.
لا خلاف على أن أى خصم سياسى يحاول التصيد لمنافسيه أو مصارعيه على الحكم، وعرض السلبيات والأخطاء بمرآة مقعرة تكبر الأشياء، وهى نفس المرآة التى يستخدمها من يجلس على مقاعد الحكم فى تضخيم الإيجابيات. ومن الواضح أن أطراف الصراع لا تلتفت كثيراً إلى أن المواطنين يتأثرون بما يلمسونه فى الواقع المباشر أكثر من أى شىء آخر. الواقع فى الختام هو الذى يفرض كلمته، وليس ألاعيب المتنافسين. فإذا كان الواقع إيجابياً فلا سبيل أمام الخصوم للنيل من الحكومة القيمة على أمر البلاد، وفى الوقت نفسه لا نجاح يرجى من أية محاولات تبذل لتجميل الأداء، إذا كان الواقع يدمغه بالسوء.
لست أدرى بماذا نفسر سعى الحكومة المتواصل لتعليق العديد من المشكلات التى يعانى منها المصريون فى رقبة الإخوان؟. هل الإخوان على هذه الدرجة من القوة والقدرة على التأثير؟. وإذا كانوا كذلك، فلماذا لم يفلحوا فى الاستمرار فى الحكم بعد أن وصلوا إليه؟. التجربة أثبتت أن الإخوان عاجزة كل العجز عن النهوض باستحقاقات حكم دولة بحجم مصر، وأخشى أن يكون الحديث المملول للحكومة عن أن الجماعة هى التى تنشر حالة اليأس والتشاؤم بين المصريين تعبيراً عن الوجه الآخر لعملة العجز. الإصرار على هذا الخطاب يعنى أن الحكومة لا تريد مواجهة الواقع بما يتزاحم به من مشكلات. المسألة لا يوجد فيها افتعال ولا يحزنون. الحكومة للآن عاجزة عن حل مشكلة توفير الدولار، بل ويزداد طين المشكلة «بلولة» بالتصريحات التى تصدر عن مسئولين يتحدثون عن السعر المتوقع للجنيه أمام الدولار خلال الأسابيع المقبلة وتتسبب فى اشتعال السوق السوداء. حالة السيولة فى الأسعار الناتجة عن القيمة المضافة وعجز الحكومة عن ضبط ومراقبة الأسواق لا تخفى على أحد. جمود المرتبات واقع يلمسه كل موظفى الحكومة، والتأخر فى صرف مرتبات العاملين بالقطاع الخاص، وإلغاء الحوافز وخلافه أمر معلوم للجميع. الواقع فى النهاية يتحدث عن نفسه.
نثمن جهود الداخلية فى القبض على خلية نشر المناخ التشاؤمى فى البلاد، لكن ليتها تلتفت بدرجة أكبر إلى ما هو إيجابى، فتتدخل من أجل القبض على التجار والموزعين الجشعين الذى يلعبون دوراً محسوساً فى رفع الأسعار، الأمر الذى يزيد من حالة التشاؤم لدى المواطنين.. الغلاء ووقف الحال أصل التشاؤم واليأس من المستقبل..!.