مجدداً، وبعد أحداث العنف التى تكررت السبت الماضى، أدق ناقوس خطر انزلاق مصر إلى نقطة اللاحكم وتفتت الدولة وانهيار العملية السياسية. مجدداً، أطالب كافة القوى الحزبية والمجتمعية والاحتجاجية بإدانة العنف ورفض الصمت عن حرق وتخريب المنشآت العامة والخاصة والالتزام الكامل بالوسائل السلمية للتعبير الجماعى عن الرأى والاحتجاج، من التظاهر إلى العصيان.
مجدداً، أطالب رئيس الجمهورية بإقالة وزير الداخلية الذى تتورط تحت قيادته الأجهزة الأمنية فى عنف مفرط وانتهاكات منظمة لحقوق الإنسان، وبتغيير الحكومة غير الفعّالة الحالية وتعيين حكومة كفاءات وطنية لها أولويات ثلاثة، الملف الاقتصادى والملف الأمنى والإشراف بحيادية على العملية السياسية.
مصر تتغير بها على وقع أحداث العنف المتكررة السيكولوجيا الجماعية لمواطناتها ولمواطنيها، مشاهد القتل والدهس والسحل والتعذيب وحرق المنشآت وتخريب المرافق العامة والخاصة تحولت إلى ظواهر اعتيادية ومتوقعة.
والمواطن الذى كان ينتفض لنزيف الدماء ولسقوط الضحايا ولتدمير المنشآت والمرافق لم يعد كذلك، وفقد الكثير من الاهتمام بأوضاع البلاد وصار همه وسط أحداث العنف والظروف المعيشية القاسية، ولديه كامل الحق فى هذا، سلامة وأمن أسرته والمحيطين به. ذات المواطن أصبح يستخف بالعنف، إلى حد متابعة البعض بلا مبالاة (بل وبابتسامة) لمواجهات عنيفة بين مجموعات من المواطنين كتلك التى تتكرر هذه الأيام أمام فندق سميراميس بين ملثمين يحاولون إحراقه وعاملين يدافعون عنه (وهناك الكثير من التسجيلات المصورة لهذه المواجهات على مواقع التواصل الاجتماعى).
المصريات والمصريون يقتربون على وقع أحداث العنف من سيكولوجيا جماعية قبيحة هى سيكولوجيا الشعوب فى فترات الحروب الأهلية وحالات الفوضى وتفتت الدول.
مصر تنزلق إلى نقطة اللاحكم وهاوية التفتت والانهيار فى ظل سياسة عاجزة، بها صمت رئاسى ولا فاعلية حكومية وشارع عنيف لا تخاطبه القوى الحزبية والمجتمعية برسالة واضحة تنبذ العنف دون مساومة. مصر تقترب من هستيريا
العنف الجماعية التى شهدتها من قبل لبنان والجزائر ومهدت للحروب الأهلية وسنوات الفوضى هناك وتشهدها اليوم سوريا، وإن استمرت الحالة الراهنة وتصاعدت فى مصر لن تتمكن لا الرئاسة ولا المؤسسة العسكرية ولا القوى المختلفة من احتوائها والسيطرة عليها. مصر تتكرر بها أحداث العنف لأن الأمن يتورط فى عنف مفرط وانتهاكات لحقوق الإنسان، والبعض يرى أحكام القضاء قابلة للتأثير عليها قبل صدورها وعرضة للرفض والضغط لإيقافها بعد صدورها، ونتيجة الأمرين هدم مباشر لمبدأ سيادة القانون.
مصر أصبح لها قائمة سوداء بها ضحايا يتجاوز عددهم 50 منذ أن تولى رئيس الجمهورية منصبه فى يوليو 2012، وقائمة سوداء أخرى للمنشآت العامة والخاصة التى حُرقت أو خُرّبت أو دُمرت أو نُهبت والتى أضيف لها أمس الأول مرافق بحرية ببورسعيد ومبنى اتحاد الكرة ونادى ضباط الشرطة بالجزيرة ومطاعم فى وسط القاهرة. والقائمتان، على الأرجح ومع بالغ الأسف، ستمتدان فى ظل عجز السياسة وغياب الالتزام بالمسئولية الوطنية.
إلى رئيس الجمهورية، أطالبك مجدداً بالتحرك قبل فوات الأوان. لن تضار من إقالة وزير الداخلية وتغيير الحكومة والشروع فى التحقيق فى انتهاكات حقوق الإنسان وإعادة هيكلة الداخلية. إلى القوى الحزبية والمجتمعية والاحتجاجية، لا تساوموا على العنف، فخطر الانزلاق لنقطة اللاحكم إن لم يوقف لن يدع لا حكماً ولا معارضة.