إنهم ينجحون فى الفشل ويفشلون فى النجاح.. لكنهم ماضون فى التأخون والأخونة والتخاون، وكـأنهم لحمض نووى واحد «DNA»، ويحملون صفات وراثية واحدة، فتشعر أن الجينات المتشابهة هى التى تتحدث وتصرخ وتهدد وتسخر وتتعالى وتتذاكى وتتغابى وتستعبط.
المهم أنهم فى النهاية كأبطال التراجيديا الإغريقية يصرون على السقوط ويسعون للموت، قبل إسدال ستار النهاية.. وللفشل عند هؤلاء معجم خاص بهم دون سواهم، نجحوا من خلاله فى القيام بأكبر عملية تلويث وابتذال للمعانى النبيلة، التى كانت حتى الأمس القريب، مستقرة فى الأذهان وفى الذاكرة الجمعية للشعب المصرى، ويتعسنا فى هذا المجال أن نستعرض مجموعة من هذه الكلمات التى فارقت المعنى الأصلى والإيجابى لها، وانتقلت إلى دائرة السوء.
1- «ثورة».. ومعناها القاموسى والدلالى والسياسى، أنها علم تغيير المجتمعات، وهى تعبير عن منظومة كاملة من الإصلاحات الجذرية التى تستجيب لأصحاب المصلحة فى التغيير.[Quote_1]
أما الآن فقد تحولت بفعل إخوان المقطم والاتحادية إلى لعنة وسُبّة، يتبرأ منها الغلابة والكادحون لأنها لم تحقق لهم سوى الفوضى والارتباك وقطع الأرزاق وغلاء الأسعار والانفلات الكامل فى كل شىء، أما معناها عند الجماعة فهو أقرب إلى صورة «السلم» الذى صعدوا عليه ثم رفعوه بعد أن أدى مهمته.
2- «النهضة».. كمفهوم مستقر عبر التاريخ عن قيامة الأمم والقارات والدول عبر مشروعات تؤدى فى المدى القريب والمتوسط والبعيد للتقدم والرفاهية والتنوير، لكنها على يد الإخوان تحولت إلى لعبة الثلاث ورقات، كانت قبل وصولهم للسلطة احتمالاً فصارت وهماً، وأصبح تجسيدها على أرض الواقع يعنى البيع والتأجير والاقتراض ورهن الإرادة السياسية لمصدر التبعية.
3- «ضمير».. وهى الكلمة الفصل فى القاموس الأخلاقى لدى بنى الإنسان، وإذا أردت أن تضرب المثل فى العدل عند البشر، فتقول: فلان ضميره صاح، أو صاحب ضمير أو عنده ضمير، ومن سمات الضمير أنه فى حالة يقظة دائمة لا يعرف النوم أو الغفلة، ولا يتلون بحسب الحاجة، فيقفل عينيه حيناً ويفتحهما حيناً.
كانت كل هذه المعانى قائمة فى وعى الناس جميعاً، حتى دخل الإخوان، فسدوا كل أبواب الضمير وفتحوا للكذب ألف باب، ثم كان الختام تأسيسهم لجبهة لم يجدوا لها اسماً سوى «الضمير»، لتعتدى على كل الضمائر بتواطئها على كل جرائم المقطم والاتحادية وتنفى ما هو معلوم بالضرورة من كوارث النظام الاستبدادى.
4- «توافق».. والتوافق نوع من التراضى حول مفاهيم ومشاريع ومواقف وصياغات وسياسات وأشخاص، وهو بديل للصيغة الانتخابية الباردة التى تخضع لقانون المغالبة البغيض، ما دامت القضية تتعلق بالمصلحة العامة، وقد رفعت الجماعة شعار التوافق قبل الرئاسة بكل تلك المعانى، ولكن الأمر اختلف بعدها، وصار التوافق قاصراً على الموالين المتوافقين بالمصلحة والانتهازية، وتحولت الكلمة إلى معنى سيئ السمعة، لأنك كشخص طبيعى من المستحيل أن تتوافق على الاستبداد والقهر والظلم الاجتماعى والانفراد بالسلطة..
5- «الحوار».. وهو حالة جدل ونقاش بين أنداد متساوين يخضعون معاً للقواعد نفسها، ويلتزمون معاً بنتائجها فى سياق من الشفافية والوضوح، وتحاول الأطراف أن تصل عبره إلى القواسم المشتركة لتضيف عليها، لا لتحذف منها.
ولأن الجماعة أدمنت عبر تاريخها -الطويل فى الزمن، القصير فى القدرة- التحاور إما مع نفسها فى المرآة، أو مع آخر، هى التى تحدده بهدف إبرام الصفقات التى تجعل التمكين ممكناً.
ومن ثم أصبح الحوار آلية هزلية أقرب للكوميديا السوداء، فبعد كل جريمة يرتكبها نظام المقطم، تتم الدعوة للحوار فى خطابات الهواء، على طريقة «قابلنى بكرة الساعة خمسة»، وليس مهما أن تقبل أو ترفض أو تفرض الشروط، فـ«الترابيزة» جاهزة والمتحاورون «الاستبن» موجودون فى أدراج الرئاسة.
6- «الصندوق».. ومن منا لا يحب الصندوق، ففى الذاكرة هو مكان الذهب والتحف والذكريات الجميلة، لكنه يتحول إلى معنى اللغز والطلسم، إذا كان مغلقاً ومفتاحه مع عدوك أو رمى به أحد فى البحور السبعة، أما فى الآلية الديمقراطية فالصندوق مفتاح الفرج إذا احتوى على أغلبية تؤيدك، وباب الكرب إذا كان لخصومك، كل ذلك أمر طبيعى، لكن القضية حينما يتحول صندوق الأصوات إلى تابوت للجثث، فحتماً ستكرهه.
وحينما تتخلى شيئاً فشيئاً عن كل الآمال والأحلام والتطلعات التى امتزجت ببطاقات الرأى، فالمؤكد أنك أنت الذى تفرط فى الكنز وليس الآخرين، فلا تقل ساعتها: إن بينى وبينك الصندوق، بعد أن اختلطت الدماء بالأوراق، وتحول ذهب الرضا إلى مرجل للغضب.
7- «المبادرة».. ومعناها أنك مبادر وسبّاق فى طرح الحلول والبدائل لتجاوز الأزمة، لكن مع كثرة المبادرات ممن لا يملكون وممن لا يستحقون، فقدت «المبادرة» معناها ومبناها، فلا أحد يسمع أحداً، حينما يتكلم الجميع فى اللحظة المناسبة، فليس عليك -إذن- سوى أن تسد أذنك أمام كل هذا الصراخ.. ولكل ما تقدم من أسباب للفشل، هل يمكن أن أطرح لفظاً جديداً فى القاموس السياسى يستبدل المغادرة بالمبادرة، فقد أصبحت مغادرة هذا النظام فرض عين على كل مصرى ومصرية، قبل أن يجرف الطوفان الدولة والنظام ومعاجم اللغة.