قبل شهور قليلة كان الهتاف الأشهر «يسقط يسقط حكم العسكر». جاء الرئيس «الإخوانى» وأسقط حكم العسكر فظهر هتاف نشاز يقول «يسقط حكم المرشد»، وذهب البعض إلى الشهر العقارى لتوثيق توكيل للعسكر لإدارة البلاد! (لم يذهب أحد لتوكيل جبهة الإنقاذ)، وهذا إقرار -من غير قصد- بأن فى مصر قوتين كبيرتين رئيسيتين هما الجيش والإخوان.
يدرك الجيش قوة الإخوان، منذ ما قبل ثورة 1952، ولذا حرص عبدالناصر والسادات وغيرهما من ضباط ثورة يوليو على الارتباط بالإخوان، والحصول على دعمهم عند قيام الثورة، ثم انقلب عليهم عبدالناصر بعد أن تمكن من الكرسى.
طوال عهدى السادات ومبارك ظل الجيش باعتباره العمود الفقرى للنظام يراقب الإخوان باعتبارهم العمود الفقرى للمجتمع، ولم يبخل بتقديم الدعم لمبارك، عبر المحاكمات العسكرية للإخوان -ولغيرهم من الإسلاميين- والتى نالت كثيراً من سمعة القضاء العسكرى.
بعد ثورة يناير انحاز الجيش إلى الخيار الشعبى، وإن اختلفت الآراء بين من يراه انحيازاً حقيقياً أو محاولة للنجاة من السفينة الغارقة، أو محاولة لركوب الموجة، أو استجابة لضغوط خارجية. وكان من الطبيعى أن يسلم مبارك -ابن النظام والجيش- السلطة للقوات المسلحة، لا لرئيس مجلس الشعب حسب الدستور الذى لم يحترمه يوماً. كان الجيش يدرك جيداً إلى من يمكن أن تؤول السلطة فى حال إجراء انتخابات حرة ونزيهة، ونستطيع أن نستنتج أن الجيش اتصل بالإخوان قبل تنحى مبارك وطلب منهم عدم الترشح لمنصب الرئاسة، وربما كان ذلك شرطاً مقابل انحيازه للثورة أو عدم استحواذه على السلطة. وقد تعامل الإخوان حينها مع الموقف بما يستحق وأعلنوا أنهم لن يقدموا مرشحاً للرئاسة. بعد ذلك، جرت محاولات شارك فيها بعض الأحزاب السياسية لتأجيل مواعيد استحقاق تسليم السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتم حل مجلس الشعب الذى وضع المجلس العسكرى قانونه بيده، وحين جاء موعد الانتخابات الرئاسية تم الدفع بأحد الضباط السابقين للترشح لمنصب الرئاسة. لم يكن أحمد شفيق ضابط الجيش الوحيد المرشح لكنه كان من وقع عليه الاختيار. أدرك الإخوان مخاطر وجود مرشح للنظام القديم، كانت الدلائل تشير إلى احتمالات فوزه، فقرروا الدفع بمرشح لهم.
وحين تأكد سقوط شفيق ظهر الإعلان الدستورى المكمل الذى كان بمثابة محاولة لاقتسام السلطة بين نظام غربت شمسه ونظام بازغ. استطاع الرئيس مرسى القادم من المجتمع والذى لم ينتمِ يوماً للنظام السابق أن يعيد السلطة للمجتمع، وأن يعيد الجيش لوظيفته الأساسية التى نشأ من أجلها، وهو يحاول الآن تحرير المجتمع من أسر خيوط النظام القديم المتشابكة والمتشعبة. يستطيع البعض الآن أن «يلحس كلامه»، وينسى مواقفه السابقة، وينادى بعودة حكم العسكر، وبإمكان البعض الآخر أن يقوم ببعض الحركات الصغيرة التى يظن أنها تزعج الرئيس أو الإخوان، أو يظن أننا إزاء لعبة كراسى موسيقية يتم فيها تبديل الأدوار بسهولة، لكن الجيش «الكبير» يتصرف باعتباره قوة كبيرة تفهم وتقدر الأحوال والمخاطر، وتدرك حقيقة التغيير الذى تم، وتعرف حجم القوة «الكبيرة» التى تمثل المجتمع، والتى تجمع حولها عدد آخر من القوى.. وهذه ربما من مزايا اللعب مع الكبار الذين يقدرون المسئولية.