بانبهار شديد نكتب دائماً عن تجارب الدول الناجحة فى أرجاء المعمورة، نسرد بكل إعجاب تجربة النهضة الماليزية التى قادها الطبيب المفكر مهاتير محمد فى أواسط ثمانينات القرن الماضى، ليخرج بلاده من ظلمات الفقر والتخلف والجهل والصراعات العرقية، إلى نور العلم والتقدم الاقتصادى، لتصبح أول النمور الآسيوية فى مطلع الألفية الثالثة، ولا تزال تواصل نهضتها حتى الآن بعد رحيل «مهاتير» عن الحكم فى 2003.
نكتب بانبهار عن التجربة الهندية، التى كانت مستعمرة بريطانية مثل مصر، واستقلت قبلنا بنحو 7 سنوات، لكنها سبقتنا سياسياً واقتصادياً وتنموياً بعشرات السنين، رغم أنها تعانى من انفجار سكانى عظيم قفز بتعداد سكانها إلى مليار و200 مليون نسمة، لتصبح ثانى أكبر دولة سكانياً فى العالم بعد الصين الشعبية، ورابع شعب فى العالم فى القوة الشرائية، وطبقاً لبيانات البنك الدولى، احتل اقتصادها المركز السابع عالمياً عام 2015، وذلك كله بعد أن نجحت فى خلق نظام سياسى ديمقراطى نموذجى، يستوعب مئات التيارات السياسية والطوائف الدينية المختلفة.
نكتب عن تجربة كوريا الجنوبية، التى بدأت نهضتها تقريباً مع مصر، فبعد استقلالها عن اليابان فى أغسطس 1945، انشغلت بحرب أهلية مع شقيقتها كوريا الشمالية انتهت عام 1953، فيما ظلت الحرب الباردة بينهما مستمرة حتى الآن، لتصنع كوريا الجنوبية لنفسها مقعداً وسط الدول الصناعية الكبرى، ويحتل اقتصادها المركز الحادى عشر عالمياً فى آخر بيان رسمى للبنك الدولى العام الماضى، بمتوسط دخل سنوى للمواطن الكورى 33 ألف دولار.
وبمزيد من الانبهار نكتب عن النهضة اليابانية، التى «لملمت» حطام شعب اليابان المهزوم فى الحرب العالمية الثانية، لتقود البلاد إلى تصدر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية طيلة 5 عقود، قبل أن تتراجع إلى المركز الثالث بعد اقتصاد الصين، بناتج محلى إجمالى بلغ 4 تريليونات و116 مليار دولار عام 2015.
فمتى نكتب ويكتب الآخرون عن «التجربة المصرية»، تجربة تنقل مصر من مرحلة ثقافة «السداح مداح» التى بدأت قبل نهايات عصر الرئيس السادات، وما زالت مستمرة حتى الآن، رغم أن فرصة ذهبية لاحت فى الأفق، وكانت كفيلة ببدء عصر النهضة المصرية الشاملة، وأقصد بهذه الفرصة انتصار أكتوبر المجيد الذى حققتها قواتنا المسلحة الباسلة عام 73، التى تطل ذكراها بعد أيام، فلم تكن مجرد حرب خاضها جيش ليسترد أرضه وانتصر، بل كانت ملحمة تصلح نواة لنهضة شاملة، فقد انتصر فيها المصريون على قلة الإمكانيات بالعقلية العلمية وروح التحدى، وضرب فيها الشعب مثلاً رائعاً لمساندة جيشه، عندما شعر أن هناك مشروعاً وطنياً يجب أن ينجح، فنجح عسكرياً، لكن للأسف لم يتم استثماره فى نهضة علمية واقتصادية شاملة، فهل حان الوقت لاستلهام «روح أكتوبر»، لبدء تجربة مصرية تتحدث عنها الأمم؟ نتمنى.