يومان ويبدأ البرلمان دورة انعقاده الثانية، وأمامه فرصة جيدة لإثبات الوجود، واكتساب ثقة الناخبين والمراقبين، بعد دورته الأولى التى جرت وقائعها وسط أجواء مرتبكة، وضغوط متقاطعة عديدة، أفقدت المؤسسة التشريعية وجودها المؤثر أمام الرأى العام.
السؤال الملح هل حددت الأطراف المعنية الأجندة التشريعية للدورة الجديدة، وبمعنى أدق هل اجتمع رئيس البرلمان ورئيس الحكومة أو من يمثلهما للحوار حول التشريعات المطلوب إصدارها خلال الدورة المقبلة؟
أولويات التشريع مسألة بالغة الأهمية، لأنها تحدد بدرجة كبيرة التزامات الحكومة وسياستها خلال مدة الدورة البرلمانية، وفى المقابل تمنح البرلمان فرصة أعلى للرقابة ومتابعة الأداء الحكومى من خلال الاستعداد المبكر للتشريعات المنتظرة.
صحيح أن الالتزام المطلق أمر بالغ الصعوبة فى عالم السياسة، فهناك دوماً المتغيرات والطوارئ، لكن هذه الاستثناءات لا تلغى ضرورة الاتفاق والتوافق على الأجندة التشريعية وأولوياتها، وعناوين الانحيازات والمبادئ الأساسية.
فى الدورة الماضية خرجت تشريعات من بعض المسئولين فى البرلمان تبريراً لعدم إصدار تشريعات محددة أو للتأخر فى إصدار أخرى بأن الحكومة لم ترسل لمجلس النواب التشريعات المطلوبة أو أرسلتها متأخرة! الحقيقة أنها تبريرات غير مقبولة، فالتشريع وهو أحد المهام الرئيسية للبرلمان له جانبان، الأول تلقى التشريعات من الحكومة وإصدارها، والثانى صياغة التشريع من داخل البرلمان وإقراره، صحيح أن التوافق والاتفاق بين الطرفين مسألة جوهرية وأساسية، لأنك لا تستطيع إلزام الحكومة بما لا تستطيع تنفيذه، لكن الحكومة أيضاً لا تملك حق تعطيل البرلمان عن تلبية احتياجات المجتمع وإصدار التشريعات المطلوبة.
الدورة المنصرمة ذهبت بكل انتقاداتها وأصبحت ماضياً، لكنه ماثل فى الأذهان ينتظر أداء يمحو ما سبق ويكرس لحالة جديدة، خصوصاً فى مجال الرقابة البرلمانية من خلال الوسائل التى أقرتها اللائحة الداخلية، وهى تمثل الوسيلة الأكثر ملاءمة للنواب للاقتراب من قلوب وعقول الناخبين فى دوائرهم.
الناخب يقترب أو يبتعد عن النائب وعن البرلمان بمدى اقتراب المؤسسة أو النائب من أزماته والعمل على تلبية احتياجاته وإثارة مشاكله وملاحقة الحكومة فى مواجهة أى تقصير أو مسئولية عن أزمة ما، وهناك نواب كثيرون حصلوا على لقب نائب الشعب، منهم الراحلون ممتاز نصار وعلوى حافظ وأبوالعز الحريرى، وأطال الله فى عمره البدرى فرغلى، بسبب مواقفهم التى جعلتهم جزءاً من ذاكرة وتاريخ البرلمان.
من الصعب تخيل البرلمان بلا أجندة تشريعية، بل إن خطاب السيد الرئيس فى افتتاح الدورة يرسم سياسات الدولة ومواقفها، وتترجمه الحكومة فى شكل مشروعات قوانين، ويناقشه البرلمان ويصدره، فهل يمكن إنجاز كل ذلك دون تنسيق وترتيب على أعلى مستوى بين الحكومة والبرلمان، ثم إعلانه أمام الرأى العام ليمثل التزاماً بما سيتم إنجازه، وإعلام الناس بأولويات الدولة.
هناك قضايا لها أبعادها ودلالاتها السياسية كان البرلمان يستطيع بها خلال الدورة الماضية أن يسجل أهدافاً سياسية عالية المستوى تذهب به بعيداً عن سيرة الماضى، أو تدفع به لتبوء مكانة مختلفة وسط الرأى العام، لكن ارتباكات الدورة فيما يبدو أضاعت هذه الفرص، ولعلهم ينتبهون لاقتناصها بشكل صحيح فى الدورة الحالية.
اخرجوا على الرأى العام وأعلنوا أجندتكم التشريعية، وتعاملوا معه باعتباره السند الوحيد لكم، فالناخب الذى أتى بكم قادر على إبعادكم، وأشك كثيراً أن ما كان سيعود مرة أخرى.. أنتم فى دورة الفرصة الذهبية فاقتنصوها.