قدم حكم القضاء الإدارى، الذى أوقف إجراءات الانتخابات البرلمانية ودفع بتعديلات قانونى مجلس الشعب ومباشرة الحقوق السياسية للمحكمة الدستورية العليا، فرصة للقوى السياسية لالتقاط الأنفاس ولإعادة تقييم استراتيجياتها وممارساتها فى دولة ومجتمع ينزلقان إلى نقطة اللاحكم وخطر انهيار العملية السياسية.
قدم القضاء، فى حكم تاريخى يتعين على المواطنات والمواطنين المنشغلين بالشأن العام قراءة حيثياته، فرصة لممارسى السياسة لكى يباعد بين مصر وبين نقطة اللاحكم وتبحث عن حلول وتوافقات تحمى العملية السياسية من الانهيار. فهل يجيد ممارسو السياسة، قوى وأحزاب وشخصيات عامة، توظيف الفرصة؟ الإجابة هى بلا قاطعة.
الإخوان وحلفاؤهم، وبعد خطوة صائبة من رئيس الجمهورية بعدم الطعن على حكم القضاء الإدارى، عادوا إلى استراتيجية الانفراد بالقرارات وتهميش المعارضة بالشروع فى مجلس الشورى فى مناقشة قانون جديد للانتخابات دون السعى بجدية للتفاوض مع قوى وأحزاب المعارضة، ومعظمها غير ممثل بالشورى، حول مجمل قواعد العملية السياسية، دستورية وقانونية وتنفيذية وإجرائية، ومن بينها قانون الانتخابات. أليس فى مقدور حزب الحرية والعدالة أن يطلق مبادرة للتفاوض مع المعارضة حول الدستور والنائب العام وتغيير الحكومة وقانون انتخابات جديد وضمانات نزاهة متكاملة؟ أليس فى مقدور الحزب، كذراع سياسية للجماعة، الدعوة للتفاوض والجلوس للبحث عن حلول وتوافقات؟ مع الأسف لمصر، لم تخرج مثل هذه المبادرة إلى اليوم من الإخوان، ومع استمرار غيابها تتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان ومنسوب الصراع والاستقطاب وتدخل إلى المشهد كارثة الضبطية القضائية للمواطن وشبح إغراق مصر فى عنف الكل ضد الكل.
مع الأسف لمصر أيضاً، لم تتحرك المعارضة بعد للمبادرة بالدعوة إلى التفاوض وفقاً لذات الأجندة، الدستور والنائب العام والحكومة والانتخابات، بهدف تعديل قواعد العملية السياسية وتوليد ضغط حقيقى على الرئيس وجماعته وحزبها للجلوس إلى مائدة مفاوضات علنية والبحث عن حلول وتوافقات.
لا يمكن للمعارضة أن تستمر على حالتها الراهنة، منتظرة وغير واضحة بشأن اختياراتها الاستراتيجية الكبرى. نحن أمام حل من حلين لمصر، هكذا أحسب:
إما الدعوة والضغط لانتخابات رئاسية مبكرة ومقاطعة العملية السياسية إلى أن تجرى الانتخابات المبكرة، أو الضغط بهدف ضبط الرئيس والحكم ديمقراطياً عبر تغيير القواعد الدستورية والقانونية والتنفيذية للسياسة وقواعد الانتخابات. على المعارضة حسم اختياراتها بوضوح. فإما الانتخابات المبكرة، وهنا لا داعى لا لتفاوض ولا حوار مع الرئيس وجماعته وحزبها.
وإما الضبط الديمقراطى للرئيس وتعديل قواعد العملية السياسية، وهنا التفاوض ضرورى. وقد عبرت أكثر من مرة عن انحيازى للحل الثانى، الضبط الديمقراطى، خوفاً من استمرار انزلاق مصر إلى نقطة اللاحكم ودخولنا فى متواليات تفتيت الدولة والفوضى.
ماذا ينتظر الإخوان لكى يبادروا ويدعوا لتفاوض جاد بعيد عن الانفراد واتخاذ القرارات ثم المطالبة بحوار؟ متى يكفون عن النظر إلى السياسة كمعادلة صفرية، فإما الحكم والهيمنة أو التهميش والإقصاء؟ ماذا تنتظر
المعارضة لكى تتحرك وتبادر هى؟ ماذا تنتظر كى تضغط إيجابياً من أجل الوصول إلى حلول جوهرها، هكذا أحسب اليوم وبتقدير لمصلحة البلاد، الضبط الديمقراطى للرئيس وتعديل قواعد العملية السياسية؟
ماذا تنتظرون فى دوائر الحكم والمعارضة؟ فبعد قليل، وشواهد العنف والتفتت والانهيار جلية وعظيمة الخطر إن لم تواجه بسرعة، لن نكون مع دولة يمكن حكمها أو إدارة شأنها العام. بعد قليل، لن نكون مع سياسة لها قواعد ومؤسسات تضبطها وعملية تعددية واضحة المعالم. بعد قليل، لن نصبح على وطن.