فى أكتوبر 2010 اعتذر الرئيس الأمريكى أوباما لرئيس جواتيمالا عن تجارب طبية مولتها جهات رسمية أمريكية، أجريت على مواطنين من تلك الدولة الواقعة فى أمريكا الوسطى بين عامى 1946 و1948، وأصابتهم عمداً بفيروسات تسبب أمراضاً جنسية.
فقد دفعت معاهد الصحة الأمريكية منحاً لمكتب الصحة الأمريكى الحكومى بغرض تصنيع لقاحات، فقام الباحثون الأمريكيون بتجارب سرية بدأت بحقن نساء منحرفات بالزهرى والسيلان وتركوهن يقمن علاقات جنسية مع جنود وسجناء، علماً بأن الزهرى يسبب فى مرحلة لاحقة العمى أو الجنون وحتى الموت.
وبعد أن لاحظ الباحثون أن الإصابات محدودة بين الرجال، تغير مسار التجربة وجرى حقن جنود وسجناء ومرضى نفسانيين بالمرض، وقد شملت التجارب 696 شخصاً لم يعرفوا هدف البحث ولا نتائجه ولم تؤخذ موافقاتهم عليه.
قبل ذلك بسنوات كانت هناك فضيحة أخلاقية أخرى بطلتها الإدارة الصحية الأمريكية أيضاً، لكنها طالت مواطنين أمريكيين من السود؛ ففى الفترة بين عامى 1932 و1972، ولمدة 40 سنة متصلة حُرم 399 رجلا من السود من علاج الزهرى، بل تعرضوا فوق ذلك للخديعة.
كان المزارعون السود فى مقاطعة ماكون بولاية ألاباما يشكلون العمود الفقرى لاقتصاد المنطقة، ومع ذلك كانوا فقراء أميين.
وفى معهد توسكيجى جرت دراسة بغرض تسجيل التاريخ الطبيعى للمرض عند السود، شملت 600 رجل، منهم عينة تجريبية من 399 شخصاً وأخرى ضابطة من 201 شخصاً.
لم يكن الزنوج وقتها يحلمون بأكثر من الرعاية الطبية والتأمين على الحياة، وقد أُغروا ببعض الحوافز مثل الفحوص الطبية المجانية، ووجبات طعام فى أيام الفحص، والعلاج المجانى للأمراض الثانوية وخدمات الدفن بعد الوفاة!
وكالعادة.. لم يخبر الباحثون «فئران التجارب البشرية» بحقيقة الدراسة أو الغرض منها أو المخاطر التى تهدد حياتهم، أو أثر ذلك على زوجاتهم وأطفالهم، بل أوهمتهم دائرة الصحة العامة بأنهم يعالجون من «الدم الفاسد»، وهو مصطلح شاع آنذاك لوصف أمراض تشمل التعب، وفقر الدم، والزهرى.
عند بداية الدراسة لم يكن هناك علاج ثابت علمياً للزهرى، وفى عام 1947 اعتمد البنسلين شفاءً للمرض، ومع ذلك لم تعط للمرضى أى خيارات، بل حجب عنهم العلاج، ومات العشرات وانتشرت العدوى بين زوجاتهم وأولادهم وعدد لا يحصى من البشر!
تكشفت هذه المأساة فى 25 يوليو 1972 وأثارت الفضيحة احتجاج الرأى العام الدولى وأصبحت رمزاً للعنصرية فى الطب والسلوكيات اللاأخلاقية فى مجالات البحث البشرى، وسوء الاستخدام الحكومى للمتطوعين.
وفى عام 1973 أقام محامٍ دعوى تعويض جماعية نيابة عن الضحايا وأسرهم، وجرت تسوية خارج المحكمة نالوا فيها تعويضاً بأقل من 10 ملايين دولار.
ورغم مرور السنين لم تتحرك الحكومة الأمريكية، حتى تشكلت فى يناير 1996 لجنة باسم «ميراث دراسة توسكيجى» قدمت تقريراً فى مايو 1996، حثت فيه الرئيس السابق كلينتون على الاعتذار عن الأخطاء، وفى 16 مايو 1997، أى بعد عام من الطلب، أعلن كلينتون الاعتذار قائلا إن ما قامت به حكومة الولايات المتحدة كان مخزياً.
تذكرت تلك المآسى وأنا أشهد ما يحدث فى مصر الآن، وتساءلت: هل تطوع البعض منا لدخول معمل التجارب الديمقراطية ليصبحوا فئراناً تجرى عليها الأبحاث؟