يُحكى أنه كان في مصر طبقة وسطى.. تلك الطبقة التي كانت تحفظ أرقام الأوتوبيسات ومساراتها، وتركب التاكسي بحساب حين يفوتها موعد الأوتوبيس، وربما اقتنى رجل المنزل دراجة هوائية (بسكلته) تساعده على قطع الكيلومترات بين مقرِّ عمله وبيته، وربما تَمَشَّى إن كانت المسافة معقولة.
ذابت تلك الطبقة تزامنًا مع بزوغ نجم «المايكروباصات» وانتشار (التوكتوك)، ونسي الناس أرقام الأوتوبيس، وباعوا عجلاتهم، وعجزوا عن المشي أو التبديل.
وبما أن ركوب «المايكروباص» ليس عملًا عشوائيًّا، وإنما هو خطة حياتية مُحْكَمَة، فقد أعددتُ لك أربعين قاعدة، يجب (نعم، يجب، لا أقول: يجوز أو من الأفضل) حفظُها وترديدها والعمل بها حرفيًّا، أثناء التنقل بـ«المايكروباص»، طلبًا للأمان، وحفاظًا على الحياة دون أدنى مبالغة.
لي خبرة ليست بالقليلة في ركوب المايكروباص، فأنا أركب مايكروباصًا (المايكروباص لا يُنَوَّن.. وأنا أنوِّنه.. مقالي وأنا حرّ فيه) من منزلي إلى مترو الأنفاق، وأركب من محطة الإسعاف (جمال عبد الناصر) مايكروباصًا آخر كل يوم في الأسبوع، منذ 15 عامًا، فمجموع مرات الركوب قد تصل إلى أكثر من عشرة آلاف مرة، أضف إلى ذلك الخروج مع الأصدقاء وحضور المناسبات، وزيارة الأهل، فسوف يكون لدي رصيد محترم من مرات الركوب، وعندما تعرف تقوم بعمل عشرة آلاف مرة فأنت تتقنه (بالاعتذار من «ناشيونال جيوغرافيك»)!
عنوان هذا المقال والمقالات الثلاثة التالية له صغتُه على هيئة عنوان كتاب مولانا جلال الدين الرومي (قواعد العشق الأربعون)، وكتاب مولانا محمود عبد الرازق جمعة (قواعد القهوة الأربعون)، ليس لسبب محدد، وإنما لأن «مزاجي جه كدا»!!
علِّل.. المايكروباص؟!
«المايكروباص» بناء هندسي رفيع المستوى يمشي على أربع عجلات (معظم الوقت، يمشي على ثلاث أحيانًا، وربما سار على عجلتين) يحوي ما يتراوح بين 13 كرسيًّا و15 كرسيًّا بالإضافة إلى كرسيين بجوار السائق، وفي أغلب الأحوال يكون عبارة عن 3 - 3 - 3 - 4 (ليست خطة لكرة القدم)، المقصود ثلاثة «كنبات» متتالية تتسع كل واحدة منها لثلاثة ركاب (من الحجم الصيني) و«كنبة» أخيرة تتسع لأربعة ركّاب محشورين (عادة ما تدور حوله معارك نتناولها بعد قليل)، ولأن للمايكروباص فلسفته، ولأن الركوب في مكان خطأ قد يكلفك حياتك، دون أدنى مبالغة، ففيما يلي بعض القواعد المهمة التي لا مفرّ من اتباعها حرفيًّا من أجل تجنب هذه المخاوف.
1- لا تركب وراء السائق:
«الكنبة» التي وراء السائق للمِّ الأجرة، لقد تخلّى السائقون في المجمل عن التباعين (حتى «الميني باص» الذي كان ملكًا للهيئة العامة للنقل أجّرتْه الأخيرة وتخلى فيه السائق عن التبّاع معتمدًا على طيبة قلب الركاب)، لا تجلس وراء السائق قدر المستطاع، ستجد من يمد يده إليك بالأجرة، ويخبرك بلهجة آمرة: «اثنين آخر الشارع»، ثم يحدث الخلاف المعتاد، ويقول السائق: «مين اللي مدفعش»، في هذه اللحظة اعلم أنك «موروط»، وغالبًا ستقوم بدفع هذا «النفر» الذي لم يدفع الأجرة (ما دمت «اتشمللت» وأديت دور محاسب في بنك خاص)، وربما ذلك «النفر» الذي لم يدفع يجلس ليضحك عليك في سرِّه!
2- خذ الفكة:
يدور هذا الحوار يوميًّا:
أنت: عايزين رُبعين يا اسطى.
السائق: مفيش معايا فكة.
لا تترك له الحبل، أسقط عليه الصاعقة: «هات نص جنيه على بعضه يا ريس»، وأعطه لجارك الذي له رُبْع معك، لا تترك للسائق باقيًا، امشِ بفكة دائمًا معك، لا تترك له عشرين جنيهًا، وتقل: هات الباقي؛ سيعطيه لك أرباعًا وأنصاف جنيهات، ولن يمنحك حتى الجديدة منها..!
3- لا تركب بجوار الباب
في «الميكروباص» الشهير باسم «تويوتا» تكون وظيفة الجالس بجوار الباب هي إغلاقه كلما نزل أحد الركاب، وفتحه كلما همّ أحد الركاب بالنزول، وربما خُلع في يديك الباب (تقول الأسطورة إن كل أبواب «التويوتا» الجرَّارة مخروبة)، وساعتها لو لم تتكلف ثمن تصليحه، فـ«ستأخذ كلمتين في جنابك»!
دع الشرَّ وغنِّ له!!
ما لك والباب؟!
4- لا تركب في الكنبة الأخيرة:
الكنبة الأخيرة مخصصة لركاب من الحجم الصيني، فركوبك بها يعني أنك ستكون في أفضل الحالات «غير مرتاح»، محشورًا، وفي المطبات تكون سِنام جمل، المرأة الْحُبلى يُمتنع عليها ذلك تمامًا.
5- لا تجلس على الكرسي القلّاب
في «التويوتا» يكون الكرسي القلّاب هو الكرسي في الكنبة الثانية من وراء السائق، هذا الكرسي «يُطوى وينفرد»، يكون ركوبه موجعًا للظهر فلا مَسْنَدَ له، في «المطبات» يكون سيئًا، وفي نزول أي راكب وراءك لا بد من القيام وطي الكرسي، ثم الرجوع إلى مكانك وفتحه مرة أخرى.
أتذكر أنني في إحدى الرحلات إلى العمل، نزلت من عليه 13 مرة!
6- إياك والجلوس في مقابل الكنبة الأولى على حرف يشبه 1/8 طوبة:
هناك مكان هُلامي خيالي خزعبلي ألمعي لوزعي اخترعه سائقو الميكروباص للركوب، وهو عبارة عن حرف معدني وراء السائق (بحيث يكون ظهرك ملاصقًا لظهره) في مقابل «كنبة لمّ الأجرة» (راجع النصيحة الأولى)، هذا المكان لا يستوعب إلا 1/10 خلفية الإنسان (إذا كنتَ في حجمي، فلن يستوعب منك شيئًا) الجلوس عليه غير مريح بتاتًا، وستكون قدمك محجوزة وربما أصابك بالشلل أو الأسوأ (البواسير)!
7- الكرسيان بجوار السائق نعمة ولكن..!
إذا وجدت أن بإمكانك الجلوس بجوار السائق وتدفع أجر راكبين (هو دا النظام)، فادفع، واجلس مَلِكَ زمانك، هناك كثير من السائقين لا يسمحون إلا للنساء بالركوب إلى جوارهم، المرأة محظور عليها الركوب بجوار هذا النوع من السائقين، وقد أعذر من أنذر، هناك من السائقين من يأخذ منك أجر اثنين ثم يقف لأحد المشيرين إليه، ويقول لك: معلش يا بيه ركبه جنبك الراجل دا واقف في عزّ الحر، اطلب منه في هذه الحالة نصف الأجرة التي دفعتها، وسوف يعيد حساباته، وستجد أن وقوف الرجل في قلب الشمس لا يعنيه.
8- أين أجلس؟!
أفضل مكان للركوب في الميكروباص، هو الكنبة الثانية أو الثالثة (الثالثة أفضل) بجوار الشباك، هكذا تضمن أنك لن تجمع الأجرة، لن تغلق الباب، لن تجلس غير مرتاح، لن تقوم لأحد، وحين يحين دورك ستنزل بكل هدوء، بعد استئذان الراكب الجالس بجوارك.
9- اسأله عن طريقه ولا تُفْشِ سرَّ وجهتك قبل الركوب:
من الأخطاء الشائعة أن تسأل السائق (رايح أكتوبر يا أسطى؟!)، ثق بي، لو أن هذا «مايكروباص» مدينة السلام، فسيقول لك بثقة: «اركب يا بيه»، ولن تستفيد أنت بمشاجرتك معه حين تعلم أنك تبتعد عن أكتوبر شيئًا فشيئًا.
اسأله فقط: رايح فين؟
ستجده يرد عليك: رايح انت فين؟!
رد عليه: لأ رايح فين انت؟!
بعد أن تتأكد أن هذا هو الميكروباص الذي سيذهب إلى منطقتك، فاسأله زيادة في التأكيد، هل ستمر بالمنطقة الفلانية؟! لعلمك، قد يشترك في الوجهة النهائية، ويخترع طريقًا جديدًا (مايكروباص بولاق من الإسعاف له أكثر من أربع طرق)، وهكذا.
حين تسأله: ألن تمرّ بكذا؟! ارفع صوتك ليسمع الجميع، فساعتها سيرد عليك الركاب جميعًا، ولن يتمكن من خداعك.
طوال الطريق اسأله: وصلنا؟! حتى لو كنت متأكدًا من أن الطريق ما زال طويلًا، لا مشكلة.. اسأله وألحَّ عليه (لو عملت «كالو» في دماغه، «هتنزل في المكان اللي انتا عاوزه»).
استحلف أحد الركاب برأس أمه، أو بروح أبيه: هل فعلًا السائق كما قال سيمر بالمكان الفلاني؟ خذ منه الرد وافضحهما (السائق والراكب معًا)، اصرخ: «يا ريس الناس بتقول لي انتا مش هتفوت على كذا».
احذر أن يسمعك السائق وأنت تسأل زميلك الراكب، سيعتبر ذلك إهانة لرجولته: «مش قولتلك يا بركة رايحين في المكان الفلاني، بتسأل الزبون ليه؟».
10- حدد بدقة مكان الوصول بدقة «جوجل مابث»:
إذا كنت ستنزل في نهاية الكوبري، فلا تقل ببلاهة: «نهاية الكوبري»، قل: «آخر الكوبري دا يا ريس أول ما تنزل، آخر الكوبري بالظبط، عند محل موبيكا». قل له قبل الوصول بعشر دقائق على الأقل ليستعد، لا تفاجئه بأنك ستنزل «النزلة اللي جاية» أو «وانت بتلف» أتظنه متفرَّغًا لك لهذه الدرجة؟!