حينما قرّرت كوريا الجنوبية دخول عالم النقل البحرى، أرسلت بعثات إلى مصر للاستفادة من خبرتها فى هذا المجال، كوريا اليوم بجانب تقدّمها الصناعى والتكنولوجى الرهيب، فإنها تحتل المركز الخامس عالمياً فى النقل البحرى، وتستحوذ على نسبة كبيرة من التجارة العالمية، ولديها خمس ترسانات عملاقة لبناء السفن، ومصر لم يعد لديها أسطول نقل بحرى، بعد أن كانت تمتلك 100 سفينة فى عهد محمد على.
الموانئ المصرية حالياً عائدها أقل من بوابة طريق مصر - إسكندرية الصحراوى، رغم مئات المليارات التى أنفقتها الدولة عليها والمفروض أن تحقق 100 مليار دولار سنوياً إذا أحسنت إدارتها وتحويلها كما قلنا فى المقال السابق إلى موانئ لوجيستية، أى منطقة خدمات شحن وتفريغ وتعبئة وإعادة تصدير وإصلاح وتموين سفن والاستفادة من 56 نشاطاً تجارياً بحرياً، وفى حالة حدوث أعطال للسفن فى الموانئ المصرية يتم استدعاء مهندسين من تركيا أو اليونان وقبرص أو دبى، لإصلاحها، ونحن لدينا ترسانات بحرية فى السويس والإسكندرية كانت تقوم بتصنيع السفن. النقل البحرى فى مصر ثروة لم تُستغل حتى الآن، الدولة مؤخراً قامت بضم ستة موانئ (شرق وغرب بورسعيد، السخنة، شرم، العريش، الأدبية، والطور) إلى الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، هل وُضعت رؤية للتسعة موانئ الأخرى؟ وهل سوف تتكامل أم تتنافس؟ لا بد أن يكون هناك حلم كبير للنقل البحرى فى مصر. فمثلاً لماذا لا تنشئ الدولة موانئ لليخوت فى المسافة بين بورسعيد والإسكندرية، حتى تكون مقصداً للأوروبيين (كما فعلت تونس)، خاصة فى فصل الشتاء؟ حيث البرد القارس هناك؟ ولماذا لا تطرح الدولة إنشاء موانئ جديدة للقطاع الخاص بنظام حق الانتفاع (pot)؟ ولماذا لا تقوم بتسهيل إجراءات تسجيل السفن لتشجيع المصريين والأجانب على التسجيل فى مصر، وبالتالى إعادة بناء الأسطول البحرى المصرى؟ وأيضاً تحقيق عائد كبير من رسوم التسجيل والتجديد، نحن دولة تستورد سنوياً بضاعة بنحو 80 مليار دولار ننقلها على سفن ومراكب أجنبية (وهذا خطر على الأمن القومى)، فلماذا لا يكون لدينا أسطولنا البحرى الذى يُحقّق لنا الإضافة الحقيقية إلى الناتج القومى ويقضى على مشكلات كثيرة، مثل البطالة والعملة الأجنبية؟ وبسبب تعقيد الإجراءات فان المالك المصرى يضطر إلى تسجيل سفينته فى الخارج، ورفع علم دولة أجنبية، وهى تعبر الموانئ المصرية، هل هذا معقول ومنطقى!؟ سلوفينيا دولة أوروبية صغيرة، تعدادها 2 مليون مواطن، لديها ميناء هو العمود الفقرى لاقتصادها والعائد منه أكبر من كل الموانئ المصرية وسفيرة سلوفينيا فى القاهرة، تقوم بالتسويق لميناء بلدها، الرؤية ما زالت مفقودة فى إدارة الموانئ المصرية، التى ارتضينا منها بالفُتات، بتحصيل رسوم العبور والانتظار، وكما قلت فى المقال السابق، أكررها مرة ثانية وثالثة، الموانئ المصرية تُغنى مصر عن الاقتراض الخارجى والداخلى، وترحم أبناءها من مذلة البحث عن أرزاقهم فى الخارج، وتنقذها من المؤامرات الدولية فى محاربة السياحة، لأن العالم مضطر إلى العبور من قناة السويس، لكن للأسف لا نستفيد منه بالنزول إلينا أو بالطلوع إليه. الإدارة الاقتصادية للنقل البحرى هى الحل حتى لو كانت أجنبية، والدولة دورها التنظيم والرقابة والمتابعة، وبذلك نضمن أكثر من مائة مليار دولار عائداً سنوياً.