ماذا لو حكم «القضا» اليوم بالعدمين: عدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب، وعدم دستورية قانون العزل؟ ما تأثير ذلك على جولة إعادة الانتخابات بين «مرسى» و«شفيق»؟ هل يمكن أن تؤدى إلى «إشعال» عواطف الناخبين نحو الإخوان «المظاليم» فيمطرون مرشحهم بالأصوات، أم ستؤدى إلى «تبريد» الأحاسيس ليضع الناخب «ذيله فى أسنانه» ويقول «يا فكيك» ويصوت لصالح مرشح الفلول والمجلس العسكرى (الفريق أحمد شفيق)؟ هل يمكن أن يكون الهوى «غلاب» أم أن المواطن يمكن أن ينظر إلى هذا الحكم على أنه إنذار واضح من السلطة بأنها «حمّرت» عينيها للإخوان، وأنهم دخلوا إلى زاوية المغضوب عليهم من «غيلان» النظام القديم الذين يرعون فى «البر» كما يشاءون منذ الثانى عشر من يناير 2011 -صباحية سقوط المخلوع- وحتى الآن؟
الأرجح -فى رأيى- أن يؤثر الحكم بـ«العدمين» سلبياً على مرشح الإخوان؛ فحل مجلس الشعب والإصرار على دخول شفيق الجولة الثانية رغم أنف «العزل» يعنى ببساطة أن السلطة الحاكمة قررت «عزل» الإخوان.. ومجرد وصول هذه الرسالة إلى المواطن سوف يدفعه دفعاً إلى التصويت لصالح مرشح السلطة. فعبر سنين طويلة دأب الإنسان المصرى على فهم إشارات السلطة واستيعاب رسائلها والتصرف طبقاً للتوجيهات المعبأة فيها، وهو يعرف أن غضب السلطة على شخص أو جماعة يفرض عليه الابتعاد عنه أو عنها فوراً والإلقاء بها فى عرض الطريق. أما رضاؤها عن أى فرد أو قوة فيعنى إشارة للارتماء فى أحضانها والتمسح بأعتابها وحمل المباخر أمامها وعمل حفلات الزار الجماعى لها.
وأكيد، أكيد أن أى شخص وقع فى منصب أو وقع منه جرَّب هذين الإحساسين؛ فوجوده فى المنصب يدفع من حوله إلى الحديث عن عبقريته القديمة التى ظهرت أماراتها عليه مبكراً، حتى لو كان «كناساً» فى شارع ووصل إلى منصب فسوف يجد من يمتدح نبوغه القديم فى «تنضيف» الشوارع وإبداعه فى الإمساك بـ«المقشّة»، لكن ما إن يقع من المنصب ويشعر من حوله بأن السلطة تخلت عنه حتى يصرخوا فيه -جماعة- قائلين: «ورينا جمال خطوتك»!
ولميكيافيلى، صاحب كتاب «الأمير»، وصف دقيق لفكرة محبة صاحب السلطة والرهبة منه، يبدأها بسؤال: هل من الأفضل أن يكون «الأمير» محبوباً أم مرهوباً من الناس؟ يجيب عنه قائلاً: الأفضل أن يجمع ما بين الخصلتين، ولكن إذا تطلب منه الأمر الاختيار فعليه أن يختار أن يكون مرهوباً؛ لأن الناس أقدر على عصيان من تحب، وأعجز عن عصيان من ترهب. والمصريون «الطيابة» يمارسون هذا التوجيه دون أن يقرأوا ميكيافيلى، فيرضون على من ترضى عنه السلطة ويغضبون على من تغضب عليه. صحيح أن «الهوى غلاب»، لكن السلطة «غولة» بعين حمرا!