الأغنية المصرية تبحث عن «ثورة إبداع»
الأغنية المصرية تبحث عن «ثورة إبداع»
لم يحدث فى تاريخ جائزة نوبل للآداب أن ذهبت إلى مجرد مؤلف أغانٍ، لم يُنتج فى حياته غير «كلمات» لا تصلح إلا للغناء فقط، ولهذا فوجئ المثقفون فى العالم كله بذهاب أرفع جائزة عالمية فى الآداب هذا العام إلى مؤلف الأغانى الأمريكى بوب ديلان، وفى الوقت الذى انتظرت فيه الصحف حول العالم عاصفة من النقد والاعتراض والسخرية، مرت الجائزة وكأنها «حدث استثنائى إيجابى»، لأنها أعادت للأغنية بعضاً من اعتبارها المفقود، وأيقظت المثقفين أنفسهم على حقيقة أن الأغانى كان لها الدور الأعظم فى صياغة وجدان الشعوب، والارتقاء أو الانحطاط بالذائقة الجمعية للأمم.
«ديلان» الأمريكى فاز بـ«نوبل».. وإحنا بنغنى «أديك فى الچركن تركن»
«الأغنية»، إذن، ليست مجرد إنتاج هامشى، وليست أحد «عوادم» صناعة الشعر، أو صناعة الموسيقى، وليست زعيقاً وتأوهات مبتذلة مصاحبة لهيستريا الضجيج والتفسخ فى حلبات الرقص كما نشاهد ونعانى هنا فى مصر. هنا فى مصر، أياً كان المكان الذى تعيش فيه أو تسهر فيه، أو حفلات الزفاف التى تحضرها، سواء فى حارة شعبية أو عشوائية أو فى فنادق الصفوة، لن يصادفك غير «غناء» شديد الانحطاط مكوناته خليط مرعب ومقزز من ضجيج الآلات النحاسية وصراخ الكلمات الرخيصة، التى تستدعى على الفور مشاهد السينما المبتذلة لمطرب بـ«جعورة» وراقصة تهز تضاريسها فى سعار جنسى عديم الحياء، وبينهما بلطجى بالسنجة و«قزازة» البيرة! فإذا انتقلت إلى عالم «الألبومات» فلن تعثر فيه على شىء يثير الشجن أو يغسل الروح المتربة من ضجر العالم.. مجرد تنويع تافه على «تيمة» أساسية قوامها الركاكة والتفسخ وانعدام الموهبة. والمؤلم فى ظاهرة الأغانى الرديئة أنها طردت ميراث الأغنية المصرية العظيم إلى الهامش، حتى تتابعت فى حياتنا أجيال يندر أن تعثر فيها على من يعرف أن هذا البلد أنجب شعراء أغنية مثل بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودى وسيد حجاب وعبدالرحيم منصور وجمال بخيت ومرسى جميل عزيز ومحمد حمزة ومجدى نجيب.. كل منهم حفر بكلماته المدهشة فى الوجدان المصرى جداول رائقة من ندى الغناء الشجى وبهجة الفرح العفيف. «الوطن»، فى هذا الملف، تفتح جراح الأغنية المصرية وتسأل كل أطراف إنتاجها عن أسباب الانحطاط الذى آلت إليه «الغنوة المصرية».. وعن وسائل وآفاق إنقاذها.