عندما كتبت بالأمس داعياً لعدم فقدان الأمل فى حاضر وغد مصرى أفضل، لم أكن متجاهلا للتطورات شديدة السلبية التى ارتبطت بعنف الجمعة الماضى المرفوض وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى وتهديد الرئيس «المنتخب» بإجراءات استثنائية وموجة البلاغات المقدمة إلى النائب العام ضد سياسيين ونشطاء معارضين.
عندما طالبتنا كمصريات ومصريين بالاحتفاظ بقدر ولو يسيراً من الطاقة الإيجابية والاهتمام بالشأن العام على الرغم من التدهور المستمر لأوضاع الوطن، لم أكن مغيبا عن التصعيد الخطير فى تعقب المعارضين ببلاغات كيدية وواهية طالنى منها بلاغ مضحك (الهم الذى يضحك) يرمينى مقدمه بـ«التخابر مع جهات أجنبية لقلب نظام الحكم» استنادا إلى محاضراتى العلنية والمتلفزة أمام مؤسسات بحثية أمريكية وأوروبية (وكأن لسان حال مقدم البلاغ هو: بتتكلم لغات، بتحاضر فى مؤسسات بأمريكا وأوروبا عن السياسة المصرية، وتصنيفك ليبرالى معارض، إذن أنت أكيد أكيد تتخابر مع جهات أجنبية!).
لم أكتب متجاهلا أو مغيبا لكل هذا، بل على العكس تماما أردت وما زلت توجيه نظرنا الجماعى إلى ما وراء التطورات السلبية ونقطة اللاحكم وخطر انهيار العملية السياسية وتفتت الدولة. فليس هناك اليوم من جديد يسجل كتابة أو قولا عن ضرورة الشراكة الوطنية بين الحكم والمعارضة لتجاوز الأزمة الراهنة، ولن أعيد إزاء عنف الجمعة وحصار الأحد وبلاغات الاثنين إلا التأكيد على موقفى الثابت نبذا للعنف ودفاعا عن حرية التعبير عن الرأى واحتراما لسيادة القانون ورفضا لتوظيفها لتجديد بناء الاستبداد.
لم أكتب متجاهلا أو مغيبا، بل أؤمن إيمانا كاملا بأن بمصر قطاعات شعبية واسعة قادرة على تجاوز الأزمة الراهنة ووقف تدهور الأوضاع لو مكنت، وأولى خطوات تمكين المواطنات والمواطنين هى زرع الأمل ونشر المعرفة. قطاعات واسعة تنبذ العنف ولا تساوم باسم سياسة أو جماعة أو فصيل، قطاعات واسعة ترفض سجالات الحكم والمعارضة التى استنزفت طاقة المجتمع دون إحداث نقلات إيجابية، قطاعات واسعة لديها من المعرفة والعلم والكفاءات ما له أن يباعد بين مصر وبين المخاطر الحالية ويدفعها إلى الأمام على مسارات الحرية والعدالة والتنمية، قطاعات واسعة شابة ومؤهلة لأن تكون نخبة حقيقية بديلة تغير وجه مصر ومجتمعها الفتى. لهذه القطاعات الواسعة والشابة كتبت رافضا فقدان الأمل، ولهم سأواصل زرع الأمل ونشر المعرفة بملامح الطريق الذى يستطيعون هم أن يضعوا مصر عليه، هم فقط وليس غيرهم.