نجح النظام السياسى الحالى بقيادة الرئيس السيسى فى تحقيق مكاسب كثيرة من المؤتمر الوطنى الأول للشباب، حيث ضخ جرعة أمل جديدة فى نفوس المصريين، كما ضرب مثالاً على أن المؤتمر لم يهدف لأن يكون «مكلمة تفريغ»، بل تحولت المناقشات إلى توجيهات وقرارات مصحوبة بتاريخ وملزمة للحكومة.. الأمر الثالث أن الرئيس استطاع أن يبتعد قليلاً عن التهمة التى تلاحقه بأنه لا يسمع، والأهم والأخطر أن القرارات كلها صبت فى اتجاه «القوة الناعمة» لمصر وليس مثل المشروعات القومية التى ركزت على البناء والتشييد بعيداً عن دماغ المصريين.
ومما لا شك فيه أن قطاعاً عريضاً من المصريين، وخاصة من المتعلمين، قد أصيبوا بإحباط خلال الفترة الماضية بسبب عدم إعلان خطوات ملموسة أو استراتيجية كبيرة فى مجال التعليم، خاصة مع قناعة الجميع بأن التعليم وحده هو بوابة التقدم.. وبالتالى لم يكن مقبولاً تأخر عملية البدء فى النهوض به، وكل ما قيل عن أن نتائجه ستظهر بعد 14 سنة لم يقنع أحداً.. والتعليم هو مبعث الأمل.. وبالتالى يجب أن يتم توفير ميزانيات ضخمة لهذا المشروع أو على الأقل البدء بإعلان الاستراتيجية وعمل نماذج لبعض المدارس أو البدء فى أمور تشريعية أو تنظيمية فى الجامعات والمدارس قد لا تكلف كثيراً.. فما لا يُدرَك كله لا يُترَك كله.
إحباط الكثيرين لم يكن بسبب المماطلة فى إعداد وتنفيذ استراتيجية التعليم فقط ولا فى تقديم مبررات واهية، ولكن أيضاً فيما يتم على الأرض من أداء مخيب لوزارة التعليم، ولا يمكن لمصر التى رشحت د. فتحى سرور وزيراً للتعليم عام 1987، وكان نائباً لرئيس جامعة القاهرة، وملحقاً ثقافياً لمصر بباريس، أن ترشح د. الهلال الشربينى الهلالى وزيراً فى عام 2016، وكان ملحقاً ثقافياً لمصر فى ليبيا. وأعتقد أن الفرق كبير بين خبرات باريس وليبيا فى التعليم، لكن أيضاً أداء الوزير لا يقنع حتى زملاءه فى مجلس الوزراء ولا يجدون ما يبرر بقاءه، فمرة يدافع عنه البعض بحجة قدرته على مقاومة الفساد، أو القضاء على الإخوان بالوزارة، والحقيقة الساطعة أن الرجل نجح باقتدار فى القضاء على أمل المصريين فى المستقبل من خلال تعليم جيد ومتميز، وإذا كان البعض يرى أن عقابه هو تبديله فى التغيير الوزارى المرتقب، فمن رأيى أنه غير كافٍ ويجب محاسبة من رشحه.
أعاد الرئيس الأمل للمصريين - الذين لا يخفى على أحد أن بعضهم أصبح يفكر فى الهجرة - بإلزامه الحكومة بإعداد استراتيجية التعليم خلال شهر، كما كلف بإعداد مجلس تحت رئاسة مجلس الوزراء لتدريب الشباب وتأهيلهم لتولى مناصب قيادية، وناشد الأحزاب الاهتمام بقضية محو الأمية وتجديد الخطاب الدينى وإصدار قوانين الإعلام، وكلها تصب فى خانة القوة الناعمة لمصر والاهتمام بدماغ البشر وليس الحجر فقط.
الأهم الآن أنه لا يمكن إدارة حوار عن التعليم تحت إدارة من لا يثق فيهم الناس، فالاقتناع ضرورة للحوار الجدى الذى يضيف إلى المستقبل، خاصة أن قضية التعليم ليست ترفاً بل هى شرط رئيسى لصناعة الأمل ولبقاء الدولة قوية، كما أن التعليم والإعلام والثقافة والدين «رباعى الوعى»، الذى سيحافظ على ما تبقى فى مصر وسيصون المشروعات القومية الجديدة.. فلا أمل فى دولة تسير «بالقوة» فقط دون «الدماغ».