فى شهر فبراير من العام الماضى اعتذرت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» عن خطأ مهنى ارتكبته إدارتها فى 15 برنامجاً إخبارياً، انتهكت فيها المبادئ التوجيهية والحيادية للهيئة.
كانت الإذاعة قد تعاقدت مع شركة إنتاج خاصة لإعداد برامج لحسابها، لكن هذه الشركة كانت ترتبط فى الوقت نفسه بعقود ترويج للحكومات التى تناولتها البرامج ومنها النظام المصرى السابق.
وبثت «بى بى سى» فيلماً وثائقياً عن مصر اسمه «العين الثالثة.. مصر»، من إنتاج شركة «FBC» التى اتضح أنها كانت تروج لنظام مبارك، فأظهرته فى صورة نظام ليبرالى منفتح، بينما أظهرت قلقاً من الإخوان المسلمين واعتبرت أن مواقفهم متشددة من المرأة والديمقراطية.
وربط البرنامج المذكور بين جماعة الإخوان المسلمين فى مصر ومنظمة إسلامية معارضة فى ماليزيا، وقد اتضح أيضاً أن الشركة ذاتها تروج للحكومة الماليزية وتتبنى وجهة نظرها. وقد تزامن ذلك الاعتذار مع مطالبة هيئة الإذاعة البريطانية محرريها بتجنب إطلاق لقب «متطرف» على «أبوقتادة»، وهو أردنى مقيم فى بريطانيا، وأن يطلق عليه بدلا من ذلك وصف «أصولى»، وذلك لأن لقب «متطرف» ينطوى على حكم تقييمى ويخالف الحيادية الإعلامية.
مقارنة بسيطة بين ما سبق وما تقوم به «إى إم سى»، وهو مصطلح من عندى أقصد به هيئات الإعلام المصرية (Egyptian media corporations) يظهر لنا الفارق الشاسع بين محاولة الإذاعة البريطانية الالتزام بالحياد وامتلاكها شجاعة الاعتذار عن الخطأ وبين سبق الإصرار والترصد والفعل العمد الذى تلجأ إليه بعض وسائل الإعلام المصرية المقروءة والمرئية للنيل من الإخوان. لا نتحدث بالطبع عن مقالات الرأى ولكن عن الأخبار والتقارير الملفقة وغير الحقيقية ومجهولة المصدر، لدرجة أن معظم، إن لم يكن كل، الأخبار التى تنال من الإخوان أو الرئيس تجدها منسوبة لمصادر مجهولة ويتكرر ذلك كل يوم تقريباً، وما تنشره الصحف صباحاً تلوكه الفضائيات مساءً، وما تردده الفضائيات مساءً تعيد الصحف نشره فى اليوم التالى، وهكذا دون كلل ولا ملل. ولو قام أى باحث منصف بتحليل هذه المواد المنشورة والمبثوثة لكشف لنا حجم الزيف الذى تحمله والتناقضات الظاهرة فيها التى لا تخفى على المستقبِل العادى، مشاهداً كان أم قارئاً.
فى المؤتمر الصحفى قبل الأخير الذى عقدته جماعة الإخوان المسلمين تعليقاً على أحداث المقطم الأولى اندهشت حين سمعت أحد الصحفيين الحضور يقول إنه ومعه آخرون انسحبوا من المؤتمر الصحفى لأنه لم تتَح لهم الفرصة للتعبير عن آرائهم!! وتساءلت: هل ذهب الإعلاميون ليسألوا ويستفسروا وينقلوا ما قيل بصدق أم ذهبوا للحديث والمشاركة بالخطابة فى مؤتمر سياسى؟ كيف اختفت الخطوط الفاصلة فى ممارسة المهنة لدرجة أن يذهب صحفيون آخرون للمشاركة فى المظاهرات وإلقاء الحجارة ثم يزعمون أنهم ذهبوا لتغطية الأحداث؟ وهنا تذكرت أن بعض الصحفيين تحولوا إلى بلطجية وقام بعضهم بإلقاء الكراسى -دون سبب- على نقيب مهنتهم السابق الزميل ممدوح الولى.
أتوقع أن تهدأ ثورة النفوس بعد وقت يطول أو يقصر، وأن تذهب السكرة وتأتى الفكرة، وأن يكبر الصغير ويعقل الطائش، وأن يتسم إعلامنا بالرشد والعقلانية، وحينها سيعتذر كثيرون للإخوان عما فعلوه فى حقهم.. ونعيش ونشوف!