احتفال نقابة المهندسين يوم السبت الماضى بيوم المهندس، بحضور رئيس الجمهورية د.مهندس محمد مرسى، ورئيس الوزراء د.مهندس هشام قنديل، وعديد من الوزراء المهندسين، أثار عندى سؤالا سألته لنفسى أكثر من مرة: هل عندنا فى مصر هندسة أو مهندسون؟
يبدو السؤال غريباً، وإجابته مؤكدة، لذا أسارع بشرح مقصدى، هل لدينا مهندسون يطبقون النظريات والقواعد الهندسية التى درسوها بالجامعة؟ هل يؤثر المهندسون فى الفئات الأخرى التى تشاركهم المهنة من فنيين وعمال أكثر مما يتأثرون بهم أم العكس؟ كيف سمح المهندسون بوجود أخطاء فادحة فى التصميم والتنفيذ، وكيف تركوها على حالها؟!
يستخدم المهندس المدنى والمعمارى المصطلحات «السوقية» التى ابتدعها المقاولون وملاحظو وعمال البناء، بل ربما تباهى بذلك باعتبار أن استخدامه لها دليل على خبرته بالسوق، وإشارة إلى من يتعاملون معه ألا تحاولوا خداعى. تمر على غابات الأسمنت التى تنبت على أرض مصر كل يوم فلا تجد مهندساً واحداً فى الموقع، وكأن دور المهندس اقتصر على وضع الرسومات وختمها بخاتم الباشمهندس عضو نقابة المهندسين. دلنى على مهندس ميكانيكى يعمل فى ورشة من ورش إصلاح السيارات المنتشرة فى كل أنحاء مصر. لقد تركونا للواد بلية! وحتى الأسطى صاحب الورشة لا يعمل بيده ويترك «البليات» يتعلمون المهنة بالتجربة، وعلى صاحب السيارة تحمل نتيجة أخطائهم.. وقل مثل ذلك فى كل مجال مشابه.
سمعت من وكيل وزارة سابق كان يعمل فى أحد مصانع القطاع العام العملاقة أنه تلقى تقريراً عن وجود «شرران وخرران» فى المصنع! كان المقصود أن أحد الخزانات تتسرب منه السوائل، وقد كتب التقرير عاملٌ شبه أمى، فدله عقله على أن التسرب معناه «شرران وخرران»، وهكذا انتقل التقرير بكلماته المبتذلة من العامل للملاحظ، لكبير الملاحظين، للمهندس، لكبير المهندسين حتى استقر على مكتب وكيل الوزارة دون تعديل. ليست المسألة مسألة كلمات، على ما فيها من امتهان للغة، ولكن المغزى أن المهندس أصبح أسيراً لمن هو تحته، يحاكيه، بدل أن يرفع مستواه الفنى.
قبل سنوات، عدت لمصر بعد غيبة فوجدت أمراً أثار استغرابى. كان عباقرة المرور قد قرروا إلغاء تقاطعات الشوارع واختاروا بدلا من ذلك «اشتباك» الاتجاهين المتقاطعين معا ثم الدوران للخلف، وهو نظام غبى يتسبب فى اختناقات مرورية مستمرة (طريق النصر مثلا)، الأصل أن الطريق يتسع قبل الدوران ليشمل حارة جديدة لمن يريد الدوران للخلف، لكن عندنا يضيق الطريق عند الدوران بدل أن يتسع!
هل يمكن أن يفعل ذلك مهندس درس نظرية التدفق؟ وهل يبرر هذا الخطأ الشنيع إلقاء التبعة على ضباط المرور؟
طيب.. انظر إلى مطالع ومنازل الطريق الدائرى من ناحية الجيزة والمعادى، وستجد مسخرة هندسية ليس لها مثيل، وانظر إلى طريق صلاح سالم كيف يتسع ويضيق «حسب التساهيل».. مصنع أدوية حكومى اكتشفوا بعد إنشائه أن المبنى بدون سلالم. مهندسون هم من بنوا ملاحق ممسوخة داخل مبانى مجلس الشعب ومجلس الوزراء، وحرم جامعة القاهرة، فشوهوا المبانى التاريخية الجميلة. هل يعقل بناء مبنى داخل الجامعة تطل نوافذه على الشارع مباشرة؟
الأمثلة كثيرة، وهى تجعلنى أتساءل: هل عندنا هندسة ومهندسون؟