لا أخاطب بمقالى الرسامين، على أن ما فعلوه فيه تجاوز لحدود اللياقة والخلق والحرية، لكن ما يهمنا هنا هو تصرف جماعة الإخوان معهم، وهى التى تدعو دائماً لتطبيق الشرع، وتقول إن تصرفاتها مستمدة من شعار: «الرسول زعيمنا والقرآن دستورنا»، وإليكم مقارنة بين تصرف الإخوان وتصرف الإسلام؛ لنرى مدى التطابق أو التنافر.
(ذهب رجل يهودى إلى رسول الله عند بيته) كما ذهب معارضون للإخوان عند مقرهم، والفرق أن الرجل يهودى ذهب لنبى معصوم، وهنا ذهب مواطنون إلى مثلهم، هناك القضية «عقائدية»، وهنا «اختلاف سياسى»، (وضع اليهودى «القمامة» فوق مقر رسول الله) ووضع المعارضون الجرافيتى بعيداً عن مقر الإخوان بأمتار، هناك المكان خاص بالرسول، وهنا المكان خاص «قانوناً» بوزارة الشئون الاجتماعية، (وكرر اليهودى فعلتَهُ من الإساءة لرسول الله)، ولم يكرر المعارضون فعلتهم.
فماذا كان التصرف؟ قام سيدنا الرسول فى كل مرة بإزالة (القمامة = الجرافيتى) من على منزله بعد انصراف الرجل، بل وزاره لما علم بمرضه فأسلم الرجل.
1- تصرف الإسلام المستمد من الشريعة أن يترك الإخوان الرسَّامين ليرسموا، ثم يزيلوا الرسومات بعد انصرافهم كما فعل الرسول الكريم، حلٌّ نبوى بسيط وراقٍ جداً، ولا يُخشى هنا أن يقال إن هذا ضعف من الإخوان (كما لم يُقل إنه ضعف من الرسول) فـ«الجماعة» معروفة بقوتها وحشدها، ولا تفسير لهذا التخلق حتى من أشد المناوئين لهم -لو كانوا فعلوه- إلا أنه خلق وليس ضعفاً.
2- تقوم «الجماعة» بترك رسامى الجرافيتى للرسم بحرية كاملة على أسوار المقر وبابه الرئيسى، وبعد انصرافهم يقوم الإخوان بعمل مؤتمر، يقولون فيه للعالم والداخل: انظروا إلى هذه الإساءة إلينا، ويرى العالمُ الإخوانَ وهم يعرضون رسوم جرافيتى مهينة لمرشدهم وجماعتهم، ثم يلقى المرشد بياناً يعرض فيه أمام العالم الرسومات المهينة، والفيديوهات التى توضح خلق الإخوان فى التعامل مع الرسامين، ثم يعلن صفحه وعفوه عن الشباب لأنهم أبناؤه، ثم يعلن تنازله عن البلاغات المقدمة للنائب العام ضد الرسومات.
لو حدث هذا لترتب عليه الآتى:
1- احترام العالم كله والمعارضة المصرية للإخوان، ورفع الحرج عن قواعد «الجماعة» فى الشارع وفى الفضاء الإلكترونى. 2- يَثبتُ للناس أن تصرفات «الجماعة» مستمدة من الشرع قولاً وتطبيقاً وليس شعارات فقط. 3- تقليل نسبة الإلحاد. 4- يؤثر فى ازدياد شعبية «الجماعة» فى الشارع بعد الحديث عن تعرض شعبيتها لبعض الاهتزاز. 5- ينقلب السحر على الساحر، فتظهر الرسومات للرأى العام على أنها سُبة فى حق من رسمها، وليس انتقاصاً فى حق من رسمت ضده. 6- يظهر الرسامون أمام المجتمع فى صورة المعتدين على الحرمات لا فى صورة الثوار الشرفاء. 7- التزام الخلق النبوى فى أوقات الشدة. 8- تخفيف حدة الاحتقان المجتمعى. 9- حب أهل المقطم للإخوان، بدلاً من أن يسكن الإخوان عندهم والمقطميون لهم كارهون. 10- نكون فى غنى عن الأحداث التى وقعت وأثرها الذى لم ينتهِ بعد..
لا أحد يتعامل بهذه الكيفية الإسلامية من الإسلاميين، لكن هذا هو خلق الإسلام كما فهمتُه، والله أعلم.