حتى بعد الثورة:الفيلم السياسى.. «ممنوع الاقتراب أو التصوير»
لم تقترب السينما المصرية خلال رحلتها التى بلغت أكثر من مائة عام من مناقشة القضايا السياسية الشائكة، كما أنها لم تقف على الحياد، فعبر تاريخها الطويل لا توجد إلا أفلام معدودة عالجت الهم السياسى بشكل فنى متوازن، بينما قامت أفلام أخرى بالهجوم السافر على أنظمة الحكم البائدة أحيانا، أو منافقة السلطة القائمة أو الدعاية لها أحيانا أخرى.
والسؤال: هل يتغير واقع الفيلم السياسى بعد ثورة يناير، بعد أن اختفت تماما الخطوط الحمراء فى دنيا السياسة؟
عن هذا السؤال يجيب عدد من المبدعين.
رئيس الرقابة عبدالستار فتحى: «أوافق على تقديم الأفلام السياسية، فلا يوجد أى شخص فوق النقد، بشرط أن يكون هذا النقد موضوعيا، وليس مجرد تجريح، وأى شخصية عامة عرضة للنقد فى الأعمال الفنية. وقبل الثورة كان هناك سقف محدد للمبدع، وكانت هناك صعوبة فى تقديم الأفلام السياسية بسبب تدخل جهاز أمن الدولة، والآن يمكن تقديم عمل ينتقد الرئيس مرسى لأنه موظف عام، وقد تم طرح العديد من الأفكار التى تتعرض له فى الفترة الحالية على الرقابة، لكن هذه الأفلام كلها لم تكن موضوعية، وأظن أن التجربة لم تكتمل بعد، وما زالت الأمور مرتبكة ولا توجد رؤية واضحة للأحداث، وما زالت هناك فرصة أمام الكتاب لتكوين فكرة محددة. أما عن الرقابة فى فترة حكم «الإخوان» فأنا مع الفن إلى أبعد الحدود، ولكن دون التهجم على أحد، ومع ذلك فدائماً يكون الاعتراض على مثل هذه الأعمال السياسية من خارج الرقابة، مثلما حدث مع فيلم «البرىء» حيث اعترضت وزارتا الداخلية والثقافة، وكذلك فيلم «ملف فى الآداب» الذى اعترضت عليه الداخلية، وكذلك فيلم «أبوالعربى» حيث اعترضت وزارة الدفاع على أحد المشاهد، ومن أهم المعايير التى يجب أن تكون لدى المبدع أثناء تنفيذ الفيلم السياسى أن يكون ملما بموضوعه، وتكون لديه رؤية متكاملة حول العمل وليس مجرد فكرة».
المؤلف بشير الديك: «سبب قلة الأفلام السياسية هو أن السينما بشكل خاص ليست فنا انفعاليا مثل باقى الفنون، لأنها تحتاج إلى الهدوء فى تنفيذها لكى تصنع بشكل جيد، وسوق السينما غير منضبطة نتيجة التوتر الشديد ومجرد صناعة أفلام فى الوقت الحالى يمثل شكلاً من أشكال المقاومة، فظروف البلد قاسية وإنتاج أفلام سياسية تأخذ وقتا حتى تظهر للنور، وهى تختلف على سبيل المثال عن صناعة الأغنية التى تحمل طابعا سياسيا، فالأغنية عمل انفعالى عاطفى وتنفيذها لا يستغرق وقتا، أما السينما، خاصة السياسية فلا تكون انفعالية لأنها ليست الفاعل الأساسى، وتحتاج إلى إعادة تركيب وعمل معادلات ورؤى، وعمل عقلى به بناء، ويحتاج إلى تفكيك الواقع، ثم إعادة تركيبه فى عمل فنى، مثلما يحدث حالياً على الساحة من أحداث سياسية متفجرة ومتلاحقة ومتتالية تحتاج لوقت لإعادة تفكيكها ثم تركيبها وبنائها من جديد. وقبل الثورة كانت هناك أعمال سياسية تنتج عن «أمن الدولة» مثل فيلم «هى فوضى» الذى تناول قضية سياسية، وبعد الثورة ظهر فيلم «بعد الموقعة» عن موقعة الجمل، لكن الثورة ما زالت مستمرة، والأحداث السياسية متلاحقة، وأنا كمؤلف من الممكن أن أقوم بتأليف عمل سياسى إذا استفزنى حدث ما للكتابة عنه.
ومن ناحية الرقابة وهل تسمح بالأفلام السياسية حاليا، لا أعتقد أن هناك أى تغير، وما يوافق عليه الرقيب فى الماضى سيوافق عليه فى الحاضر».
المنتج محمد العدل: «ليست هناك أى مشكلة أن أقوم بإنتاج فيلم يناقش قضية سياسية، ونجاح أى فيلم يحمل طابعا سياسيا يتوقف على مدى الصدق فى تنفيذه، ولكن لا أحد يضمن تحقيق النجاح للعمل، خاصة مع حالة الركود التى تشهدها السينما حاليا نظراً للوضع السياسى والاجتماعى الذى تعيشه مصر، وقلة الأفلام السياسية أمر طبيعى فى ظل قلة الإنتاج السينمائى حالياً، وكذلك انعدمت نظرية أو فكرة الفيلم السياسى البحت الذى كان موجودا من قبل، فالأفلام أصبحت بطبيعتها تتضمن لمحة عن القضايا السياسية مثلما حدث فى فيلم «الجزيرة» أو «تيتو»، فلا توجد مناقشة لقضية سياسية بحد ذاتها، لكنها تضمنت فى الطرح لمحة من مشكلة سياسية، خاصة أن السينما أصبحت تراعى أن الجمهور يحتاج فى الوقت الحالى عملاً درامياً بوجهة نظر سياسية بشكل غير مباشر، وإذا قمت بتقديم فيلم فبالتأكيد لن يكون مؤيداً للنظام، فأنا لم أؤيد أى نظام سواء فى عهد مبارك أو «الإخوان»، فالفن دائماً ما يقف على يسار السلطة الموجودة».
المخرج محمد خان: «قلة الأفلام السياسية ترجع إلى اتجاه السينما فى السنوات الأخيرة للأفلام التى تعتمد على الأكشن والكوميديا، وذلك نتيجة للاستسهال فى صناعة العمل، وأغلبية الأفلام أصبحت تجارية بحتة، باستثناء أعمال قليلة، نتيجة وجود عملية احتكارية فى السوق من أصحاب دور العرض، فالإنتاج أصبح حكرا على شركات بعينها، ولا يوجد إنتاج حقيقى من الأساس يقوم على صناعة أعمال تحمل فى مضمونها فكرا جيدا، ومفهوم الفيلم السياسى هو ما يشير لحدث أو ينتقد، لأن الأفلام كلها فى رأيى عبارة عن سياسة، مثلما كان يحدث فى أفلام الثمانينات، وأغلبها كان يناقش قضايا سياسية تحمل فى مضمونها انتقادا للمجتمع، وإنتاج هذه الأفلام قد يزيد اليوم لكن الرقابة تقيد الأمر، ودائماً ما تسير فى اتجاه عكسى ضد المبدع. ويمكن أن أقدم فيلماً لكننى لا أحبذ تقديم عمل تحت مسمى «سياسى»، وأفضل تقديم عمل تحت أى عنوان عن مشاكل الحياة بصفة عامة، أوعن قضية مثارة بالمجتمع، ويمكننى تقديم عمل ينتقد النظام، إذا سمحت الرقابة بذلك، ولكن يجب على المبدع أن يحاول إيجاد طريقة للانتقاد أياً كانت، والفيلم السياسى بمفهوم الانتقاد كان موجودا فى فترة حكم «عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك»، وسيظل موجودا، وسيأتى اليوم الذى تنتج فيه أفلام تناقش ما يحدث حالياً، ولكننى أرى أنها ستأخذ فترة قبل الظهور لعدم اكتمال الثورة».