يتعين على مجتمعنا رفض تشويه اليمين الدينى لحقيقة العنف الطائفى وللتداعيات الكارثية لغياب تطبيق القانون ولصناعة التطرف وكراهية الآخر ولتكريس التمييز، وكذلك رفض تحويل المصريات والمصريين الأقباط من ضحايا إلى مسئولين عن العنف تعويلاً على صور ذهنية وأنماط إدراك رجعية.
هكذا طالبت خلال الأيام الماضية، واليوم أحذر من انزلاق الأقباط إلى مقاربات تتناقض مع مدنية الدولة وسيادة القانون فى التعامل مع العنف والتمييز الطائفيين ضدهم.
المطالبة بحقوق مواطنة متساوية للأقباط وبتطبيق القانون ومحاسبة المتورطين فى العنف وبالقضاء على التمييز ليس لها أن تأتى فقط من الكنيسة القبطية المصرية، بل لا بد من ارتكازها إلى القوى المجتمعية والسياسية المدنية والإعلام الحر ومنظمات المجتمع المدنى الفعالة والمدافعة عن المساواة.
العودة إلى الكنيسة، وهى مؤسسة دينية وروحية، كقوة وحيدة قادرة على حماية حقوق الأقباط يتناقض بوضوح مع فكرة الدولة المدنية وسيادة القانون ويتعارض مع التطور الإيجابى خلال العامين الماضيين والذى تمثل فى انخراط المصريات والمصريين فى الحياة السياسية والحزبية وفى المطلبية الديمقراطية العامة.
الدعوة إلى تمثيل حقيقى ومتوازن للأقباط داخل المجالس التشريعية والسلطة التنفيذية لا ينبغى أن يصادر على أن مسئولية كل برلمانى ومسئول تنفيذى يؤمن بالدولة المدنية وبغض النظر عن انتماءاته الدينية هى الدفاع عن حقوق المواطنة المتساوية لجميع المصريات والمصريات والانتصار للحريات الدينية ولضمانات الحريات الشخصية والعامة.
نعم نحتاج لتمثيل متوازن للأقباط فى البرلمان والحكومة، إلا أن الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم يتجاوز (بل وعليه أن يتجاوز) حدود ممثلى «الطائفة» المباشرين إلى الجماعة الوطنية ككل.
الانزلاق، فى مواجهة ثنائية الأغلبية والأقلية، إلى هاوية مقولات عنصرية وطائفية المضمون «كأصحاب البلد» و«المصريين الأصليين» لن يرتب سوى تكريس العنف والتطرف والتمييز. نعم مصر تعانى من قوى يمين دينى تشوه الحقيقة، وبعضها يعتقد زيفاً وبطلاناً أن من حق الأغلبية المسلمة تقييد حريات الأقباط كأقلية وربما العصف بها، وبعضها الآخر يصنف غياب ضمانات حقوق وحريات الأقباط فى الدستور ومجموعة من القوانين كممارسة ديمقراطية طالما اعتُمد الدستور فى استفتاء شعبى وأُقرت القوانين من قبل أغلبية برلمانية منتخبة.
نعم، مصر تعانى من صناعة تطرف تنتج خطابات كراهية للآخر الدينى، تقضى كما أكدت أكثر من مرة على إنسانية الأقباط وتحيلهم إلى مساحة مجتمعية مؤلمة تهيمن عليها الصور الذهنية وأنماط الإدراك الرجعية المرتبطة بنيوياً بوضعية «الأقلية غير المرغوب بها».
إلا أن مواجهة مثل هذه القناعات المتطرفة والتمييزية لن يتأتى بتطرف مضاد أو بتمييز بديل يُعلى من شأن ما يسمى «الحقوق الطبيعية لأصحاب البلد وسكانها الأصليين»، بل بتبنٍّ واضح وصريح لمفهومى الدولة المدنية وسيادة القانون الضامنين للمواطنة وللمساواة دون تمييز، ولحيادية مؤسسات الدولة وأجهزتها تجاه كافة تنوعات الدين والنوع والعرق فى الجماعة الوطنية.
انتبهوا ولا تنزلقوا إلى مواجهة الطائفية بطائفية بديلة، فالدولة المدنية وسيادة القانون ومعهما الجماعة الوطنية التى يؤسسان لها هم الحل ومناط الأمل.