«الدستورية العليا» تحسم معركة قانون التظاهر
المحكمة الدستورية العليا حسمت قانون التظاهر بعد جدال استمر خلال السنوات الماضية «صورة أرشيفية»
حسمت المحكمة الدستورية العليا الجدل الدائر بشأن قانون التظاهر، وقضت، أمس، برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، برفض الطعنين على المواد 7 و8 و19 من قانون التظاهر، بينما قبلت طعناً واحداً فقط بعدم دستورية المادة 10 من ذات القانون فيما تضمنته من سلطة وزير الداخلية فى إصدار قرار مسبب بمنع التظاهرة أو إرجائها أو نقلها فى حالة وجود ما يهدد الأمن والسلم، على أن يبلغ مقدمو الإخطار بذلك القرار قبل الميعاد المحدد بأربع وعشرين ساعة على الأقل، حيث أكدت المحكمة أن القضاء هو المختص بمنع التظاهر إذا قدمت «الداخلية» دلائل وبراهين ومعلومات موثقة تفيد أن التظاهرة تمس بحقوق دستورية أخرى.
المحكمة تقضى ببطلان سلطة «الداخلية» فى منع المظاهرات وصحة مواد«الحبس والغرامة»
وحصنت المحكمة الدستورية العليا المواد «8، و7، و19»، فيما يخص استلزام الإخطار قبل القيام بالتظاهرة، وتجريم المشاركة فى تظاهرة أخلت بالأمن أو عطلت مصالح المواطنين أو حركة المرور، ومعاقبة كل من خالف ذلك بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التى لا تقل عن 50 ألف جنيه، ما يعنى رفض أى طعن لاحق على المواد الثلاث التى تم رفض الطعن عليها، إلا إذا أجرت الحكومة عليها أى تعديلات.
وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها بعدم دستورية المادة 10 من قانون التظاهر، إن هذه المادة منحت وزير الداخلية ومدير الأمن المختص حق إصدار قرار بمنع الاجتماع أو التظاهرة المخطر عنها أو إرجائها أو نقلها، وبذلك تكون قد مسخت الإخطار إذناً، مما يوقعها فى حمأة مخالفة المواد (1/1، 73/1، 92/2، 94) من الدستور، ومن ثم يتعين القضاء بعدم دستوريتها.
وأضافت أن الإخطار كوسيلة من وسائل ممارسة الحق، هو إنباء أو إعلام جهة الإدارة «وزارة الداخلية» بعزم المُخطِر «المتظاهرين» ممارسة حقهم فى التظاهر، دون أن يتوقف هذا على موافقة جهة الإدارة أو عدم ممانعتها، وكل ما لها فى تلك الحالة أن تستوثق من توافر البيانات المتطلبة قانوناً فى الإخطار، وأن تقديمه تم فى الموعد وللجهة المحددين فى القانون، فإذا اكتملت للإخطار متطلباته واستوفى شرائطه قانوناً، نشأ للمُخطِر الحق فى ممارسة حقه على النحو الوارد فى الإخطار، ولا يسوغ من بعد لجهة الإدارة إعاقة انسياب آثار الإخطار بمنعها المُخطِر من ممارسة حقه أو تضييق نطاقه، ولو اعتصمت فى ذلك بما يخوله لها الضبط الإدارى من مكنات، فالضبط الإدارى لا يجوز أن يُتخذ تكئة للعصف بالحقوق الدستورية، فإن هى فعلت ومنعت التظاهرة أو ضيقت من نطاقها، تكون قد أهدرت أصل الحق وجوهره، وهوت بذلك إلى درك المخالفة الدستورية. وأوضحت «الدستورية العليا» أن الحق فى الاجتماع أو التظاهر السلمى ليس حقاً مطلقاً من ربقة كل قيد، ذلك أن هذين الحقين، خاصة حق التظاهر السلمى، يمس استعمالهما، فى الأغلب الأعم بمقتضيات الأمن بدرجة أو بأخرى، وتتعارض ممارستهما مع حقوق وحريات أخرى، بل قد تنحل عدواناً على بعضها، مثل حق الأفراد فى التنقل والسكينة العامة، وغيرها، وهو إخلال يُغَض الطرف عنه، وعدوان يجرى التسامح فى شأنه، تغليباً لحقى الاجتماع والتظاهر السلمى بحسبانهما البيئة الأنسب لممارسة حرية التعبير والتى تمثل فى ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديمقراطية عنها، وتؤسس الدول الديمقراطية على ضوئها مجتمعاتها، صوناً لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل تطوير بنيانها وتعميق حرياتها، كل ذلك شريطة سلمية الاجتماع والتظاهرات، وتوافقها وأحكام الدستور ومقتضيات النظام العام، وما دام العدوان على الحقوق والحريات الأخرى لم يبلغ قدراً من الجسامة يتعذر تدارك آثاره، ومن ثم يكون محتماً، التزاماً بالقيم الدستورية التى تعليها الدولة القانونية، أن يكون القضاء هو المرجع، فى كل حالة على حدة، تلجأ إليه جهة الإدارة حين ترى، لأى سبب من الأسباب، وقف سريان الآثار المترتبة على اكتمال المركز القانونى لمنظم الاجتماع أو التظاهرة، الناشئ من تمام الإخطار الصحيح، ليقرر، حينها، القضاء المختص، دون غيره، ما إذا كانت ثمة مصالح وحقوق وحريات أولى بالرعاية، تجيز منع الاجتماع أو التظاهرة السلمية أو تأجيلهما أو نقلهما أو تعديل مواعيدهما أو تغيير مسار التظاهرة، وذلك على ضوء ما تقدمه جهة الإدارة من دلائل وبراهين ومعلومات موثقة تقتضى ذلك وتبرره. كما رفضت المحكمة ما نعاه المدعى من صدور القرار بقانون دون توافر الضرورة الملجئة لإصداره، تأسيساً على أن سلطة التشريع المخولة لرئيس الجمهورية بموجب الإعلان الدستورى الصادر فى 8 يوليو 2013، الذى صدر القرار بقانون المعروض فى ظل سريان أحكامه، قد ناط سلطة التشريع برئيس الجمهورية المؤقت، وهى سلطة تشريع أصلية لا استثنائية، يترخص فى ممارستها دون قيد، وهو ما التزمه القرار بقانون المطعون عليه.
حيثيات الحكم: إخطار وزير الداخلية تحول لـ«إذن» بالمخالفة للدستور.. ومنع التظاهر يهدر «حقاً دستورياً»
وفى شأن المادة 8 قالت المحكمة إن تلك المادة التزمت فى تنظيم الإخطار بما قدرت أنه الأنسب لتحقيق مصلحة الجماعة، والأكثر ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، ومن ثم جاءت أحكامها فى إطار الضوابط الدستورية المقررة.
وفيما يتعلق بالمادة السابعة التى تنص على أن: «يحظر على المشاركين فى الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البرى أو المائى أو الجوى أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة أو تعريضها للخطر»، قالت المحكمة إن الجريمة المقررة فى تلك المادة هى جريمة عمدية، وإن صياغة هذه المادة قد كرست شخصية المسئولية، فلا يسأل عن الجريمة سوى من قارفها بالفعل، وإنها جاءت منضبطة بالضوابط الدستورية للتجريم، ولا يخالف المواد (54/1، 73، 92/2، 95) من الدستور.
وحيث إن العقوبة المقررة بمقتضى المادة التاسعة عشرة لمن يخالف أحكام المادة السابعة، هى الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين، والغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، ما يجعلها من العقوبات المقررة للجنح لا الجنايات، وهى عقوبات تتناسب مع خطورة وفداحة الإثم المجرّم فى المادة السابعة دون غلوّ أو تفريط.
القضاء هو المختص بمنع التظاهر إذا قدمت «الداخلية» دلائل ومعلومات موثقة تفيد بأن التظاهرة تمس بحقوق دستورية أخرى
وتابعت المحكمة أن هذه المادة أعطت للقاضى سلطة تفريد العقوبة واختيار العقوبة التى يوقعها على كل متهم على حدة، بحسب ظروف الجريمة وظروفه الشخصية، فله أن يقضى بالحبس أو بالغرامة أو بكليهما معاً، وهو حين يقضى بالحبس أو الغرامة يراوح بين حدّين أدنى وأقصى، كما لم تسلبه المادة خيار وقف تنفيذ العقوبة إن هو قدر ذلك ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا يكون قد خالف المواد (54/1، 94، 95، 96/1، 184، 186) من الدستور.