(١) تولى الرئيس الأسبق حسنى مبارك السلطة فى أواخر عام ١٩٨١ عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.. كان واضحاً أن الإخوان لم يكن لهم أى علاقة بعملية الاغتيال، بل كانوا يكنون للرئيس السادات نوعاً من التقدير، حيث أخرج قياداتهم من السجون فى أوائل ومنتصف السبعينات، بل أتاح لهم حرية الحركة والتواصل مع الجماهير، فضلاً عن إقامة العديد من المخيمات بالإسكندرية فى الفترة ١٩٧٩ - ١٩٨١، وأسيوط فى يناير وفبراير ١٩٨١.. ولا شك أن عملية اغتيال الرجل ألقت بظلالها السلبية على حركة الإخوان -والتيار الإسلامى عموماً- حتى نهاية عام ١٩٨٣.. ومع بداية عام ١٩٨٤، بدأت مصر تشهد جواً من الحرية النسبى، استثمره الإخوان فى خوض الانتخابات البرلمانية على قوائم حزب الوفد، حيث فاز منهم ٧ بعضوية المجلس.. فى عام ١٩٨٧، زادت مساحة الحرية بدرجة أمكنت الإخوان من خوض الانتخابات بالتحالف مع حزبى العمل والأحرار، حيث فاز منهم ٣٦ عضواً.. وفى عام ١٩٩٠، قاطع الإخوان والأحزاب الموجودة آنذاك الانتخابات البرلمانية بسبب عمليات التزوير التى كانت تتم.. وكان حزب التجمع هو الوحيد الذى لم ينضم للمقاطعين وآثر أن يتجاوب مع نظام الحكم الذى أنعم عليه بتعيين مجموعة منه بالبرلمان.. على المستوى الإقليمى، كانت الإدارة الأمريكية تعد المسرح لاستدراج صدام حسين كى يغزو الكويت، وقد قام فعلاً بذلك فى ٢ أغسطس عام ١٩٩٠.. ولقى هذا الغزو معارضة كبيرة على مستوى العالمين، العربى والإسلامى.. كما عارضه الإخوان، وحاولوا مع آخرين (حزب الرفاه بتركيا، الجماعة الإسلامية بباكستان، نظام حكم عمر البشير بالسودان) بذل جهدهم لدى الرئيس العراقى لسحب قواته من الكويت وتجنيب المنطقة ويلات الحرب، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.. وفى ١٧ يناير عام ١٩٩١، كانت عاصفة الصحراء التى دعت إليها وقادتها الإدارة الأمريكية تشق طريقها لتحرير الكويت.. وقد شارك فى «العاصفة»، قوات مصرية وسورية.. كان الهدف الخفى من وراء ذلك هو أن تأتى الإدارة الأمريكية لتضع أقدامها على منابع النفط فى الخليج من ناحية، ولكى يتحول الصراع العربى/ الإسرائيلى إلى صراع عربى/ عربى من ناحية أخرى.. وفى عام ١٩٩٢، شهدت مصر أحداثاً من العنف، وكان واضحاً أيضاً أن الإخوان لم يكن لهم يد فيها من قريب أو من بعيد، بل إنهم استنكروها وأدانوها.. وبعد أن تخلصت السلطة من فصائل العنف، استدارت لتوجه ضربات موجعة للإخوان فى محاولة لتلقيص انتشارهم الواسع فى النقابات المهنية ونوادى أعضاء التدريس بالجامعات المصرية.. لقد كانت مصر مقبلة على انتخابات برلمانية فى أواخر نوفمبر من عام ١٩٩٥، لذا قامت السلطة فى يناير، ويوليو، وأكتوبر من نفس العام بإلقاء القبض على عدد كبير من قيادات الإخوان، ليحال بينهم وبين المشاركة فى هذه الانتخابات.. وقد شُكلت لهؤلاء محاكم عسكرية عليا، قضت على ٥ منهم بخمس سنوات، وعلى ٥٦ بثلاث سنوات.. وكالعادة تم تزوير الانتخابات، ولم يفز فيها من مرشحى الإخوان سوى واحد فقط هو على فتح الباب الذى كان محسوباً على حزب العمل.
(٢) فى تلك الفترة، وضعت السلطة أمام الإخوان كثيراً من العقبات والعراقيل، ومارست ضدهم شتى أنواع التضييق والتحجيم، واتبعت فى ذلك كافة الوسائل والأساليب، حتى يظلوا فى حالة، لا هى موات وسكون ولا هى حركة وانطلاق؛ حالة يكون الإخوان فيها موجودين، لكن غير مؤثرين.. وفى اعتقادى أنه لم يكن هناك فى الأفق المنظور آنذاك ما يشير إلى أن ثمة تغيراً جوهرياً أو شبه جوهرى سوف يطرأ على منظومة الحياة السياسية، داخلياً وخارجياً، بما يؤدى إلى انفراجة ما! ومن ثم، كنت أرى أنه على الإخوان أن يطوروا من وسائلهم وأدواتهم، لعلهم يتمكنون من إحداث ثغرة فى هذا الحصار.. كانت السلطة تريد أن يكون الإخوان عبارة عن جبل جليد؛ جزء بسيط ظاهر ومعلن، وجزء كبير خفى ومستور، وهذا الأخير معروف لديها بكل مفرداته ومكوناته، وهو مهم بالنسبة لها حيث تقوم بتوظيفه واستثماره لصالحها لأقصى درجة ممكنة.. إذ على حسه تقوم السلطة بتوجيه ضربات إجهاضية أو استباقية نوعية -من وقت لآخر- لعناصر مفصلية نشيطة داخل الجماعة، وذلك بهدف إرباك استراتيجيتها وتعويق حركتها والحد من نشاطها.. الأخطر من ذلك هو منع القيادة من التواصل مع أفراد الصف بشكل طبيعى وعادى، إضافة إلى عدم إتاحة مناخ صحى ونقى لتربية الأفراد، حيث يعانون من التربص والملاحقة والمطاردة، وما يسببه ذلك من قلق وتوتر وخوف من المداهمة والاعتقال.. هذا فضلاً عن أمر آخر له سلبيته على عمل الجماعة وتطوير أدائها، وهو انعدام فرصة اجتماع مجلس الشورى العام وعدم تمكنه من القيام بدوره الأصيل، فهو -كما تنص اللائحة الداخلية للجماعة- السلطة التشريعية لها ويكون مختصاً بمناقشة وإقرار سياساتها العامة ووسائلها التنفيذية، وكذا مناقشة التقارير نصف السنوية التى يتقدم بها مكتب الإرشاد، علاوة على انتخاب أعضائه وتسمية المرشد.. وبالتالى فإن عدم ممارسة هذا الدور جعل مكتب الإرشاد هو المهيمن والمسيطر على الجماعة، والقابض على كل مؤسساتها، والموجه لسياساتها، دون أن تكون هناك أدنى محاسبة له من أى جهة.. وغنى عن البيان أنه كلما ازدادت ضربات السلطة، كانت قيادة الجماعة تتجه إلى فرض مزيد من التخفى وعدم الظهور، فضلاً عن الحيطة والحذر بدعوى المحافظة على التنظيم وعدم تعريض أفراده للاعتقال.. لذا، كنت أنادى بكسر هذه الحلقة، وإيجاد نظرة جديدة لعلاقة «القط مع الفئران».. فالقط قد اعتمد سياسة ممنهجة؛ فهو يغفو أثناء النهار ويستيقظ فى الليل بحثاً عن فأر يلتهمه ليكسر حدة جوعه.. والفئران تمرح وتلعب أثناء إغفاءته، وحين تشعر بحركته تفر هاربة إلى جحورها تاركة وراءها فأراً أو فأرين لمصيرهما المحتوم.. كانت مستسلمة ومستعدة لتقديم وجبة شهية من لحمها ودمها للقط، كلما اشتهى ذلك، فالقط راضٍ، والفئران راضون، ولم يفكر أحد فى تغيير هذه الحالة البائسة.. كنت أفكر فى أنه لا بد من اتخاذ خطوة جادة نحو علانية التنظيم، وذلك بتحويله إلى جمعية تعمل وفق القانون.. نعم سوف يكون ذلك تحدياً للسلطة، وربما وقفت حائلاً دون ذلك، لكن مع الإصرار والمثابرة والدأب، كان من الممكن أن نحقق نجاحاً.. (وللحديث بقية إن شاء الله).