هل صحيح أن إحجام المستثمرين عن النشاط فى بناء وحدات سكنية للإيجار سببه مخاوف ناتجة عن عدم تحرير العلاقة الإيجارية فى الإيجارات القديمة؟ لو كان الأمر كذلك.. فلماذا لم تقفز معدلات الاستثمار فى الوحدات المخصصة للإيجار والمحررة فعلياً منذ عام 1996 وتخضع العلاقة الإيجارية فيها للتفاهم بين المالك والمستأجر؟
هل صحيح أن تحرير العلاقة الإيجارية فى المساكن القديمة قبل عام 1996 بين المالك والمستأجر وإنهاء الأوضاع القائمة الحالية سوف يشجع المالك على المشاركة فى صيانة العقار وهو -العقارات المتهالكة- المبرر للملاك فى رغبتهم تحرير العلاقة حتى يتمكنوا من زيادة الأجرة ويشاركوا فى الصيانة؟
دون الخوض فى أسئلة أكثر تتضمنها قائمة لا تكفيها صفحة كاملة فإن اعتقادى أننا أمام خدعة كبرى يحاول مستثمرون كبار تمريرها واستخدام بعض الخبراء ووسائل الإعلام فى ترويجها من أجل تحقيق مصلحة بيزنس عالية المستوى ستطيح بملايين الأسر وتضيف لقائمة أزماتنا أزمة اجتماعية جديدة ستجد الحكومة نفسها متورطة فيها تتعلق بتوفير المساكن البديلة للمتضررين من هذا الإجراء.
اعتقادى أيضاً أن بعض قطاعات رجال الأعمال الناشطين فى مجال العقارات على وجه التحديد يعتبرون المشهد الذى نعيشه هذه الأيام من إجراءات للتحرير الاقتصادى وخلافه هو التوقيت المثالى لتحقيق حلم يعيشونه منذ عشرات السنين ولم تمكنهم الدولة المصرية منه حتى الآن لاستيعابها خطورة ما سيترتب على هذا الإجراء من تداعيات.
الحاصل أن كتلاً سكنية كاملة فى أحياء محددة جاهزة للإزالة فور صدور هذا القانون وإخلاء السكان منها إما بمقابل مالى أو -فى الأغلب- بعقود محدودة المدة لن تتجاوز أعواماً قليلة وربما أقل أيضاً من أعوام حتى يستردها أصحابها لإدماجها فى مشروعات استثمارية سياحية وعقارية متميزة للأثرياء.
والبادى أن ملايين العقارات الأخرى فى عشرات الأحياء بمختلف المحافظات جاهزة أيضاً للهدم تحت مسمى أوامر إخلاء وهدم أو تحت مسمى تنكيس وإعادة بناء، وهى فى كل الأحوال جاهزة للهدم والبيع أراضى خالية بملايين الجنيهات أو إعادة بناء أبراج جديدة وفقاً لشروط العصر.
واللافت أننا لا نتعلم، فمنذ تحرير العلاقة الإيجارية فى المساكن الجديدة لم تنكسر موجة التمليك فى الإسكان كما كان يروج أنصار هذا الاتجاه، بل استمر الاستثمار فى هذا النوع من المبانى لأنه سريع الربح حيث تتحصل على التكاليف والأرباح فى فترة وجيزة تتيح لك إعادة الاستثمار مجدداً، أما البناء فى الإيجار الحر فهو وسيلة فئات محددة ومحدودة العدد تبحث عن الدخل الشهرى، لذلك لم نشهد حلاً لأزمة الإسكان ولا انتشار لافتة للإيجار، وأدت التجربة إلى زيادة مخاوف المصريين من استئجار السكن وفقاً لهذه القواعد لعشرات الأسباب.
إذن نحن أمام حقيقة واحدة أن الهجمة التى نشاهدها الآن هدفها الوحيد هو إخلاء ملايين المساكن من سكانها البالغين عشرات الملايين من البشر لأجل إما الهدم وإعادة البناء أو الهدم والبيع أو الاستثمار الكبير فى المشروعات السياحية والعقارية المتميزة.
المؤكد أن ملف تحرير العلاقات الإيجارية القديمة بالغ التعقيد والخطورة، والمؤكد أننا أمام تضارب وتداخل مصالح متنوعة وأطراف كثيرة تتجاوز الملاك والمستأجرين، والمؤكد أيضاً أن أمة تعيش مرحلة التحرير الاقتصادى التى نشاهد تبعاتها الآن ستفكر عشرات المرات قبل الإقدام على خطوة تضع الناس على الأرصفة.
وللحديث بقية