إذا ذهبت عزيزى القارئ إلى باب الفتوح، أحد أبواب القاهرة الفاطمية، داخل الباب وإلى اليسار سوف ترى ضريحاً صغيراً مدهوناً باللون الأخضر، هذا الضريح الغريب الذى يقبع داخل البوابة هو لشخص يدعى «حسن الذوق»، كان فى منتهى الذوق والظرف واللباقة، رقيق الشعور والإحساس ويوماً ما غضب من سلوك بعض الأشخاص فقرر الرحيل عن القاهرة بل عن مصر كلها، ولما وصل إلى باب الفتوح وقع ميتاً فدفن فى مكان سقوطه وسمى ضريحه باسم «سيدى الذوق»، وقيل المثل الشهير «الذوق لم يخرج من مصر»، ورغم كل ما أصاب الشعب المصرى من مشاكل وتغيرات مهمة فى شخصيته، ورغم أن سلوك البعض فى الشارع وفى الصحافة والإعلام والفيس بوك قد أصابه قلة فى الذوق وشدة فى العدوانية وسلاطة فى اللسان إلا أن الأخلاق الأصيلة للشعب المصرى ما زالت تحمل صفات «حسن الذوق»، ما زال التعاطف والود والمجاملة، وما زال التكافل الاجتماعى موجوداً، وما زال احترام الوالد والوالدة وإكرام الضيف والشهامة والجدعنة، ما زال ود الجار والصديق وتكاتف الزملاء فى العمل والمساندة والمؤازرة عند الشدائد، كل هذه الصفات ما زالت موجودة فينا، وأهمها «حب الوطن» رغم الغلاء المسعور ورغم السلع غير الموجودة ونقص بعض الأدوية وارتفاع أسعار البنزين.
ما زلنا صابرين ندعو لمصر وللوطن، هذه هى أصالة شعب عمره من عمر التاريخ وفجر الضمير وبزوغ الأخلاق ومعرفة الخالق والحساب قبل الأديان السماوية، ما زلنا من أقوى الشعوب تماسكاً وإحساساً بالعظمة رغم الفقر والفوضى والحاجة، ما زلنا نثق فى أنفسنا وفى رئيسنا رغم تطاول أشباه الدول التى ظهرت على وجه الدنيا فى غفلة من الزمن وسط الغاز والبترول بلا حضارة ولا استنارة ولا أصول ولا ذوق، ما زلنا نقف مع الجيران رغم عدم وقوفهم مع أنفسهم ولا مع جيرانهم ولا أولاد عمومتهم، ما زلنا نتلقى السباب والتطاول ونحن رافعو الرأس، مترفعون عن التعامل بالمثل مع من هم أقل منا وأصغر وأكثر حداثة فى تاريخ الدنيا، ما زال التطاول على الجيش المصرى الذى يقف عملاقاً يحيط الوطن بذراعين من القوة ويحيط الفقراء بذراعين من العناية والحنو والرفق، يعمل ليلاً نهاراً فى صلابة وقوة يبنى المشاريع العملاقة ويفرق السلع الرخيصة، يسرع إلى مناطق السيول وينقذ الآلاف ويرمم ويبنى ويشق الطرق ويمهد، جيش مصر ساهر دائماً من أجل المصرى، من أجل الحماية ولقمة العيش، يبنى المدارس والمستشفيات والأحياء الفاخرة بدلاً من العشوائيات، يبنى ويشيد وينقذ ويدافع ويطهر ويدفع حياة أبنائه من أجل مصر، وكل من حولنا من بلدان عربية تعانى الصراع والتفتت والانقسام وانهيار الجيوش وهرب الشعوب وموت الأطفال غرقاً وهجرة العائلات وقصف البلدان من طائرات الدول وقطع الرؤوس والدفن أحياءً من الدواعش، كل من حولنا يعانى الموت والخراب والإرهاب والانقسام ونحن هنا نعيش فى أمان وحرية فى بلد متماسك على قلب مصرى واحد، وأكثر أمثال حسن الذوق عندنا هنا فى مصر هو الرئيس السيسى، هو هادئ متزن رقيق الإحساس لا ينطق العيب ولا يذم ولا يرد الإساءة، لأنه أكبر منها كثيراً وأعلى قدراً، قد نعانى ويعانى هو من أجلنا بعض المشاكل وما أكثرها، وقد نغضب نحن وتنزلق ألسنتنا بألفاظ الغضب وقد أيضاً نسب ونلعن، وهو كما هو هادئ وخلوق وواثق من نفسه ومن الشعب المصرى الذى خرج خلفه بالملايين فى حدث لن يتكرر لا فى مصر ولا فى أى دولة فى العالم، هو يثق فينا ونحن نثق فيه حتى لو انقلب عليه بعض الجيران الذين يدعون البطولة والقوة والعزة وفى ظهورهم تعلو أبنية القواعد العسكرية الأمريكية، يتطاولون علينا وعليه وهو ما زال ثابتاً فى انفعاله لا ينظر إلى التوافه والصغائر، بعض الجيران قد فقدوا المعرفة التاريخية وغابت عن عقولهم أحداث مائتى عام مضت عندما كنا أسياد الشرق الأوسط نحكم ونعلو ونؤسس جيشاً يحكمهم وينفق عليهم من الصدقة ويقيم لهم التكايا والأسبلة، ومنذ خمسين عاماً أو أكثر قليلاً أرسلنا لهم المعلم والمعلمة والكتاب والكراس والقلم وعلى نفقة الحكومة المصرية، علمناهم بالقلم وشيدنا لهم المنزل والقصر والمستشفى والمدرسة، كتبنا لهم الدساتير والقوانين وعزفنا لهم ألحان السلام الوطنى وصنعنا من قبائلهم دولاً، هى الآن تتطاول علينا وعلى رئيسنا، ولكن رغم الصعاب ستظل مصر هى مصر أم البشر وأم الحضارة وأم العلم وأم الأخلاق، وسنصبر نحن على المحن والصعاب وسنقف خلف رئيسنا الذى انتخبناه بعد أن ناديناه ورجوناه أن يأتى ويحكم ويشيد وينقذ الوطن، ستظل مصر هى مصر تعلو على الصغائر والصغار، وسيظل جيشنا هو جيشنا صانع المعجزات لا ينصت لهذه الترهات، فهو لا يجد وقتاً لأنه يعمل لمصر ولدول الجوار، يعمل لنا ولها وليس عليها كما هو المطلوب من المتطاولين، وسيظل رئيسنا هو مثال الذوق الذى لم يخرج بعد من مصر، ولن يخرج بإذن الله.