استمعت إلى كلمة الأستاذ مكرم محمد أحمد على هامش مناقشة مجلس النواب لمشروع قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، ورغم ما أحمله للكاتب الكبير من تقدير خاص، إلا أننى أجد نفسى فى حالة اختلاف عميق معه، فيما يتعلق بالعديد من الأفكار التى طرحها. وجوهر اختلافى يرتبط بعنوان كبير تلخصه عبارة «المسئولية أمام الأجيال المقبلة»، وأوجب الناس إحساساً بهذه المسئولية هم الكبار، من أمثال الأستاذ مكرم، فكل كلمة تصدر عن أفواههم، خصوصاً عندما يتصل الأمر بتشريع سوف يؤثر فى مستقبل مهنة، لا بد أن توزن، وأمر القوانين لا يناقش بالخطب المنبرية أو بالعنتريات اللفظية، وإلا فقد المتحدث هذا الإحساس بالمسئولية أمام الأجيال المقبلة. وقع الأستاذ مكرم فى عدد من المطبات أجدنى بحاجة إلى التوقف عند بعضها:
المطب الأول وقع فيه الأستاذ مكرم حين خلط فى كلامه بين المؤسسة والمسئول عن المؤسسة، هاجم يحيى قلاش نقيب الصحفيين، وكأن «قلاش» هو النقابة، وهاجم جلال عارف رئيس المجلس الأعلى للصحافة، وكأن «عارف» هو المجلس، من حق الأستاذ مكرم أن يتبنى وجهة النظر التى يرتئيها، وأن يغازل بكلامه من يشاء، بشرط ألا ينزلق إلى الحديث عن أشخاص، ونحن بصدد الحديث عن مسألة تشريعية مهمة سوف تؤثر فى مستقبل المهنة، وبغض النظر عن موقفه من النقابة أو المجلس، إلا أن الجهتين أحق من غيرهما بالتعبير عن وجهة نظرهما فى الطريقة التى يدار بها أمر التشريع الجديد للصحافة والإعلام، بل لرئيس كل منهما حيثية للحديث فى هذا الشأن أكثر من الأستاذ «مكرم» الذى يتمتع بحيثية أدبية، لها كل الاحترام بالطبع، لكنه واقعياً لا يمثل برأيه إلا نفسه، اللهم إلا إذا كان هناك جهة أخرى لا نعرفها يعبر عنها الكاتب الكبير!
المطب الثانى وقع فيه الأستاذ مكرم حين طالب بإغلاق أقسام وكليات الصحافة، فى مشهد يثير السخرية المرة، بسبب حالة التماهى مع نمط التفكير الذى أصبح يسيطر على الكثير من الكبار هذه الأيام، ذلك التفكير الذى يرتكز على نظرية «انسف ما يوجع رأسك»، الدعم يرهق الحكومة، الحل أن تتخلص الحكومة من الدعم، ماسبيرو يوجع رأس الحكومة، فليصف ماسبيرو، ولتغلق أو تدمج القنوات، وبالتبعية: عدد الصحفيين كثر، إذن فلنغلق أقسام وكليات الصحافة، تفكير بائس! لماذا لا نفكر بطريقة عكسية، فبدلاً من أن يقترح الأستاذ مكرم إغلاق أقسام وكليات الصحافة، يقترح منح الفرص لإصدار صحف جديدة مطبوعة وإلكترونية، وإيجاد نوافذ إعلامية تعبر عن تعددية حقيقية، ويكون بمقدورها استيعاب الخريجين الجدد، لماذا يسيطر على الكبار أسلوب «الإغلاق» و«التخلص من الحمول» و«التحلل من الأعباء والمسئوليات»، ألا يتناقض ذلك مع مسئوليتهم أمام الأجيال الجديدة؟
المطب الثالث وقع فيه الأستاذ «مكرم»، حين أعجبته زفة «الدراويش» التى تحيط به، وتقديرى أنه يملك من الحصافة ما يفرق به بين ما يدخره له كل من يعمل فى «كار الصحافة» من محبة واحترام، وبين أشخاص يمنحونه إحساساً مصطنعاً ليظهروا أمامه بمظهر المريد أمام شيخه، فى حين يشهد تاريخ بعضهم على دأبهم على عبادة آلهة من عجوة، يعبدونها نهاراً ويأكلونها عندما يجن الليل.. والأستاذ سيد العارفين.. ولن أزيد!