تزوجها راضياً عنها وعن اختياره، فعل كل شىء ليحصل عليها، وكان يوم الزفاف، وبفستانها الأبيض الزاهى لوّنت بيته الجديد، مضت أيام العسل لتكتمل بصرخة أول المواليد، وتلت الصرخة صرختان، ثلاث، وربما أكثر، كبر العش الهادئ وأصبح للحياة طعم آخر، طعم الحياة، أصبح للفرد أسرة، ضحكات وبكاء، أعياد وأحزان، هبّات وأزمات.
تململ الفرد وملّ الاستقرار، وبات يهفو للعبث والاستهتار، استجاب لنداء غاوية ما، وربما كان هو الشيطان الغاوى، أغلق الباب وركض وراء ما يشبه السراب والضباب، يتورط، يحاول إيجاد العلل ويلقى اللوم على الرتابة والملل، ينسحب من الأسرة ليعود فرداً، وللانسحاب أشكال وأهوال، أولها الهجر والإهمال، فتذبل مَن شاركته الحياة ويتشتت أهم من فى الحياة (قُرات الأعين وفلذات الأكباد).
هذه القصة باتت موحدة لأغلب البيوت اليوم ولربما أصبحت السيناريو الأوحد، ليس فى وطننا فقط بل فى العالم أجمع، إن أسباب انهيار الأسر وتفككها عديدة، أحياناً يكون للمرأة دور أيضاً فى الانهيار، لكن يبقى الطاغية الأكبر دائماً الرجل، فهو مَن يخرج بغير خسارة بعد أن يخسر الجميع، فلا أسهل من الهدم والهرب، ولكن يا ترى أهذا من شيم الرجال؟!
ماذا تعنى كلمة رجل، أهى الذكورة؟! إذاً، فالفأر رجل، والأرنب رجل، والوحش رجل! بالطبع لا.. الرجل من المفترض أن يكون الشهامة والمسئولية والثقة والأمان والعطاء، ألا نسميه فى عرفنا الدارج بعمود البيت والحياة، إذاً ماذا حدث؟ لماذا كُسرت معظم أعمدة البيوت فباتت تصفر بها الرياح، لتبعثر ساكنيها؟! لماذا مُلئت المحاكم وأدراج القضاة بقضايا الخلع والطلاق؟! وما سر تغير مزاج الرجال فجأة؟ وما سر ذاك العشق للعبث؟! أهى خفة ظل؟! تضييع وقت؟! إثبات ذات؟! هذيان؟!
يا عزيزى الرجل يا من أفقت بعد سنوات، قليلة كانت أم كثيرة، على حقيقة أنك تعيش حياة غير سعيدة، وأن سعادتك خارج جدران بيتك الكاتم على أنفاسك الرقيقة الحائرة! يا مَن تفضل تلك وتلك عن تلك التى بالبيت! لأى سبب كان.. ألا توقفت قليلاً ونظرت إلى المرآة! ماذا ترى؟ أنموذج الكمال أنت؟! ثم اجلس منفرداً قليلاً وآتى بورقة وقلم، وضع علامة صح أمام الصفات التالية إن تحليت بها فى بيتك: أأنت: ودود! لطيف، معاون فى المنزل وتربية الأولاد؟!، أم تراك مجاملاً لزوجتك مغازلاً؟! أو ربما كنت حنوناً عطوفاً؟! أم داعماً مشجعاً دافعاً إياها للأمام لتكون مستقبلها الخاص؟! هل أنت صادق! أمين! محب؟! هل أنت كأبطال السينما جميل وجذاب؟! هل وهل وهل؟!
أنت لست بأى مما سبق؟! إذاً ماذا تطلب؟! أَعطِ قبل أن تطلب، وارض باختيارك، لأنه اختيارك وإن لم يكن اختيارك صحيحاً، فصححه بنفسك، قل ما يضايقك، واطلب ما شئت، فإن لم يتم لك ما أردت فكن رجلاً فى الخصام، ثم رجلاً فى الفراق، لا تكذب، لا تخن، لا تراوغ، ولا تجادل عبثاً، أرح واسترح، ثم لا تغلق الباب خلفك على يد أحد من تلك الأسرة التى كونتها أنت يا رجل، أو لست برجل!
وإلى كل مَن تربِّى رجلاً من أمهات اليوم، رجاء اجعلى من طفلك رجلاً، علميه ألا يؤذى، وأن ذكورته لا تعنى أنه الأفضل والأكمل والأقوى، بل عطاؤه ومواقفه وبطولته هى ما تجعل منه رجلاً، علميه أن يكون بطلاً كأبطال الأساطير، أيام أن كان فى حياتنا مكان للحكايا والأساطير، علميه الحب والصدق والعفة ومخافة الله، علميه الحب والإخلاص، علميه أنه عندما يختار يجب ألا يلتفت بعد ذلك لأى إغراء وألا يحار، علميه ألا يرتبط إلا إذا كان مستعداً للاستقرار، علميه أن الرجولة قوة وأن الاستسلام للإغواء ضعف وانهيار، علميه أن الذكورة قدر، وأن الرجولة اختيار.