الإرهاب ظاهرة قديمة للغاية فى البيئة السياسية الإسلامية، وتكاد تكون جزءاً من بنية الفكر السياسى للمسلمين، ومع قناعتى بأن التعصب الدينى يمكن أن يؤدى بصاحبه إلى الإرهاب، فإن ذلك لا ينفى الصفة السياسية عن الكثير من الأحداث الإرهابية التى شهدتها، ولم تزل، الكثير من الدول الإسلامية، ومن بينها مصر. إذا اتفقنا على أن الإرهاب يعنى «القهر المادى أو المعنوى للفرد»، فسنجد أن أشكالاً مختلفة منه مورست فى سياق الواقع الإسلامى، منذ وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، وحتى الآن. لم يكن للكثير من تلك الأشكال علاقة واضحة بالدين، فما علاقة كلام يهدد بـ«انفراط عقد الإسلام» وأنت تتحدث عن إجبار أفراد أو مجموعات على الخضوع لدولة معينة، والإسلام دين يدين به الفرد، ولا يضيره بحال أن تقبله أو ترفضه دولة؟. وما علاقة سيوف «معاوية» التى أخرجت من أغمادها لتقهر الناس على بيعة ولده «يزيد» بالإسلام كدين؟ إنها السياسة وطبائع الاستبداد الذى ارتبط بأنظمة الحكم العربى ليس إلا.
لذلك يصح أن ننظر إلى أشكال الإرهاب الذى تشهده مصر حالياً كظاهرة من ظواهر الصباح والمساء، فهو ظاهرة قديمة متجددة. إرهاب اليوم يجد جذوره فيما عشناه بالأمس وأمس الأول. قبل قيام ثورة يوليو 1952، عرفت مصر الإرهاب، ويخطئ من يظن أنه ارتبط بممارسات جماعة الإخوان وفقط، بل كان سمتاً وسمة ميزت الصراع السياسى فى ذلك الوقت. الإخوان قتلت النقراشى والخازندار، واغتال إبراهيم الوردانى -عضو الحزب الوطنى- بطرس غالى، رئيس وزراء مصر، كما قُتل أمين عثمان، ومن الثابت تاريخياً أن الرئيس السادات -رحمه الله- كان أحد المتهمين فى هذه القضية. لقد كانت الميليشيات المسلحة (القمصان الزرق والخضر وغيرها) أداة من أدوات الصراع فى دنيا السياسة، وكانت مسئولة عن القهر المادى لمن لا تقبل عقولهم ونفوسهم القهر.
وبعد قيام ثورة يوليو اشتعلت وتواصلت حلقات الصراع بين الطرفين اللذين قاما بها: الضباط الأحرار وجماعة الإخوان، وكان السر فى الصراع هو الرغبة فى الاستفراد بالمشهد. كانت أحداث المنشية عام 1954، وفيها حاولت الجماعة اغتيال جمال عبدالناصر، رئيس الوزراء حينذاك، وكانت النتيجة أن أعدم عبدالناصر ستة من الإخوان بعد محاكمة عسكرية، بالإضافة إلى أحكام بالسجن على آلاف من أعضاء الجماعة، وتجدد الصراع ثانية عام 1965، على يد سيد قطب ومجموعته، وحوكم المتهمون فيها محاكمة عسكرية، وقضت المحكمة بإعدام «قطب» واثنين معه. مات عبدالناصر أواخر عام 1970، وتواصل الصراع مع «السادات»، وكانت أولى حلقاته عام 1974 فى أحداث الكلية الفنية العسكرية، وتجدد عام 1977 بظهور جماعة المسلمين التى قادها شكرى مصطفى، وأطلق عليها نظام الحكم حينذاك «جماعة التكفير والهجرة»، وانتهت حقبة السبعينات بمشهد المنصة المعروف، الذى اغتيل على أثره الرئيس السادات فى يوم نصره على إسرائيل. ولم يتغير المشهد فى عهد «مبارك»، ووصل الصراع إلى حد محاولة الاغتيال، كما حدث فى أديس أبابا 1995.
استخلاص رئيسى تستطيع أن تخرج به من القراءة التفصيلية لحلقات الصراع على الحكم فى تاريخ الكثير من الدول الإسلامية، ومن بينها مصر، هو أن الإرهاب ليس ديناً بقدر ما هو سياسة، وأن الاستبداد هو الرافد الأول الذى يتغذى عليه هذا المرض العضال..!.