المريض المصرى وقع فى «فخ مزدوج» نصبه له كل من الحكومة وشركات إنتاج الدواء. الحكومة عاملة نفسها بترحم المواطن، فقررت نسبة زيادة على الأدوية المحلية مقدارها 10% وعلى المستوردة 15% بعد تعويم الجنيه، وهو ما رفضته شركات الأدوية التى لا تريد أن تخسر وطالبت بزيادة على أسعار الأدوية نسبتها 50%، حتى تتمكن من تدبير نواقص الأدوية التى تعانى منها السوق حالياً.
لا أحد يرحم المريض المصرى. الحكومة عوّمت الجنيه، وضميرها مستريح، ومحافظ البنك المركزى، السيد طارق عامر، ينام ملء جفنيه، وهو راضٍ عن نفسه تماماً بعد أن اتخذ قرار التعويم. ينام الرجل وسعر الدولار يتجاوز الـ19 جنيهاً، ليحطم كل الأرقام التى وصل إليها فى السوق السوداء، ينام الرجل وهو يعلم أكثر من غيره أن سعر الدولار مرشح للزيادة، خلال الأيام المقبلة، بسبب التزامات يتوجب على الحكومة المصرية دفعها، وتراجع مدخولاتنا من العملة الصعبة. مؤكد أن رئيس الحكومة هو الآخر مستريح البال والضمير، بعد أن بشّرنا فى إحدى جلسات مؤتمر الشباب، قبل أيام، أن الحكومة لا تجد ما تنفقه على الخدمات العامة!. عام الجنيه، وكان من توابع تعويمه ارتفاعات فلكية فى أسعار السلع، وكان من الطبيعى أن يكون الدواء من بينها. لم تراع الحكومة أن اختفاء الدواء، أو عجز المريض عن شرائه يعنى الموت. كم مريضاً مات منذ تعويم الجنيه وحتى الآن بسبب اختفاء أدوية، أو بسبب العجز عن الشراء؟!. الحكومة وحدها هى التى تعلم.
شركات الأدوية من ناحيتها لا تفكر إلا فى مكاسبها، لا تريد أن تخسر، وهى لا تجد وجاهة فى مطالبات البعض لها بأن ترحم المريض، وهى ترى الحكومة لا ترحمه. كيف لجار أن يرحم ضعيفاً يسحقه من هو مسئول عن حمايته؟!. لذلك فقد قررت هذه الشركات عدم التوقف عن امتصاص دماء المرضى للإنفاق على منتجاتها، والأنشطة التسويقية التى تقوم بها لترويج هذه المنتجات، بما تقتضيه من مدفوعات، ورشاوى صريحة ومقنعة للأطباء، لكى يروجوا ما تقدمه من أدوية إلى المرضى، بغض النظر عن وجود بديل رخيص يمكن الاستعاضة به عن الغالى!.
وقع المريض المصرى فى الفخ، ووصلت الأزمة بين الحكومة وشركات الأدوية إلى طريق مسدود. وكل طرف يربط دماغه على ما يريد، سواء كانت الحكومة «الممثلة» أو الشركات «المتعطشة للمكاسب». يحدث هذا فى وقت تشهد فيه كل الأدوية ارتفاعات غير طبيعية فى أسعارها، والزيادة لا تتوقف، أدوية معينة أصبح يزيد سعرها من أسبوع إلى أسبوع، وعلى المريض أن يدفع. المادة الفعالة فى الأدوية لم تعد فعالة.. هكذا يتحدث الكثير من المرضى، وليس أمام الناس إلا الشراء بالغالى و«البلبعة» بالرخيص، فى محاولة مستميتة لإيقاف الألم. ملف الأدوية ليس كملف الأغذية أو السلع الكهربائية، التعامل معه لا بد أن يكون مختلفاً. وحقيقة الأمر فإن الرئاسة مطالبة بالتدخل فى هذا الملف، ووضع محددات صارمة لتوفير الدواء من ناحية، ولكبح جماح الارتفاعات المتوالية فى سعره من ناحية أخرى. زجاجة الدواء ليست كزجاجة الزيت، وكيس العلاج ليس مثل كيس السكر..!.