ليس غريباً أن يرفض «عادل حبارة» نطق الشهادتين قبل تنفيذ الحكم بإعدامه، وكأنه لا يقترب من الله عزّ وجل، إلا حين يقتل باسمه (كما توهم)، أو سعياً إلى جنته، كما قال فى إحدى مكالماته المسجلة: «أنا عادل حبارة صاحب 25 شمعة منورة»!.
لم تكن الشموع إلا أرواحاً طاهرة لجنودنا، اغتالتهم أياديه القذرة، فيما عُرف بـ«مذبحة رفح الثانية».. نالوا الشهادة، ولاحقته لعنات ذويهم حتى حبل المشنقة.
طبيعى أن يسب «حبارة» كل الحاضرين لحظة شنقه، لأنهم ممثلو «الدولة» التى انتصرت على دولة «أبوبكر البغدادى»، وحطمت أسطورة «البلطجى الأشهر»، وأحبطت خطط أمرائه فى تحويل مصر إلى إحدى إمارات تنظيم الدولة فى العراق والشام.
فى مكالمة مسجّلة بين عمرو زكريا شوقى شطا «أبوسهيل» وبين «حبارة»، قال «أبوسهيل»:
- أنا عايز أتكلم معاك كلمتين.. الأول الشيخ أبوبكر البغدادى كنت قاعد معاه، والشيخ الشيشانى، وهم عايزين يفتحوا شغل عندكم.. ويدعموا الشباب اللى عندك.
- طيب يا عم ياريت، أقسم بالله ياريت.
- هو إدانى عشرة آلاف دولار، قال لى تسافر للشباب تشوف هم عايزين إيه، تتواصل معاهم، وإديهم العشرة آلاف دولار دول ويشتغلوا ويورونا، ويعملوا فيديو ويبايعوا فيه «أبوبكر»، ويبايعوا الدولة فيه نبعت لهم اللى هم عايزينه.
10 آلاف دولار (بسعر الصرف القديم) هى ثمن الوطن الذى لم يعش فيه إلا مواقف الفشل والذل والإحباط العاطفى.. وحين كفر بفكرة «الانتماء» دخل من أوسع بوابات الجماعات الإرهابية التى تكفر بكل الأديان إلا «الدولار».
نفس ملامح وتفاصيل حياة جابر الطبال (رئيس جمهورية إمبابة سابقاً)، فقد بدأ مشوار الدم بقتل شابين يعزفان الموسيقى فى فرح.. ثم قتل مخبراً سعى للتحرى عنه.. وهرب من سجن «الوادى الجديد»، بالتزامن مع أحداث ثورة 25 يناير 2011.. واتجه إلى «سيناء»، وهناك عرف قنوات الاتصال بالتنظيمات الإرهابية، ومن خلالها نصّب نفسه زعيماً فى عالم «الجهاد التكفيرى» أو «البلطجة الشرعية».
فى صناعة الإرهاب «فتش عن الفقر والحب».. إنها تلك التركيبة المعقدة التى فك شفرتها الكاتب الكبير «وحيد حامد» فى فيلم «دم الغزال».. «الفقر» هو البيئة الخصبة التى تمنح شباب البلد وقوداً لبركان الدم الذى تطلقه كتائب الإرهاب.. أما «الحب» فهو آخر خيط حريرى ينقطع بين الشاب وإنسانيته، ليصبح بعدها مجرد «مسخ مشوه»، كان «الطبال» يهوى الكوميديا، وكان «حبارة» يبحث عن علاج بالأعشاب فى كتاب «الداء والدواء» لابن القيم الجوزية.. فوجد علاجاً لقلبه الولهان، واستبدل العشق بالرصاص ولغة الموت.. أما بطل «دم الغزال» (رضا ريشة)، فلم تهدأ غرائزه الرعناء ولا عواطفه إلا بدماء محبوبته.
ومصر نزفت طويلاً على يد كائنات عشوائية من أبنائها، تربوا داخل مناطق عشوائية، مثل عناكب صغيرة، ثم خرجوا علينا فجأة كوطاويط تحترف سفك الدماء لمن يدفع الثمن. لو كان هذا البلد يبيع مواطنيه للعمل «مرتزقة»، لتخلصنا منهم بطريقة مشروعة، لكنهم يتكاثرون بين ضلوعنا كسرطان توحش وأدمن الأمصال التى نحاول مداواته بها.. سرطان لا يحترم «قدسية الحياة»، ولا يعرف من الدين إلا آيات «التكفير»، ولا يركع إلا أمام «الممول».
«الإرهاب ثقافة» لا يقضى عليها الحكم بالإعدام، ولا يتم شنقها فى ميدان عام.. إنها تحتاج إلى حرب طويلة من منظومة التعليم ومنصات الإعلام.. من المؤسسات الثقافية قبل الدينية، إلى «خطاب دينى».. عفواً، لقد مللت الكتابة فى هذا الشأن!.
يكفى أن معظمنا معلق على «مشنقة التكفير»، لا يملك سوى قلم يدافع به عن بلده وعن عقله.