من المؤكد أن تعويم الجنيه له آثار فادحة على مستوى معيشة المواطنين، بل إنه أصاب فئات واسعة بأضرار بالغة حتى أصبح القلق والعبوس سمة عامة والغريب أنه امتد للشباب وطلاب المدارس بأثر إما إحساسهم بذويهم أو تأثرهم المباشر بارتفاع أسعار الانتقال والمصروفات الشخصية للذهاب والعودة للمدارس والجامعات مع عدم قدرة الأسر على التعويض.
وبصرف النظر عن تقييم هذه الخطوة ومدى أهميتها وحتميتها، أو انقسام المجتمع إلى فريقين ما بين مؤيد يرى أنها خطوة صعبة ولكن لا بد منها، وبين معارض يرى أنها غير محمودة العواقب، بصرف النظر عن هذا النقاش هناك قضية مهمة لا بد أن يحسب لها حساب وهو التكلفة الاجتماعية للتحديات الاقتصادية التى ستجعل النساء تدفع أثماناً ربما مضاعفة من ممارسة العنف ضدهن إلى انهيارات فى الأسر، وهو أمر من المهم العمل على احتوائه، حيث يعد العنف ضد النساء فى مصر ظاهرة واسعة الانتشار تعانى منها النساء من جميع المستويات والخبرات؛ فما يقرب من نصف (47٫4%) النساء المتزوجات تعرضن للعنف الجسدى فى وقت ما من حياتهن وهن بالغات، وفقاً للمسح الديموغرافى والصحى لمصر، وهذا العنف مرشح للزيادة فى ضوء صعوبة الأوضاع الاقتصادية، وهو ما يسبب تكلفة اجتماعية واقتصادية كبيرة.
وربما يصعب قياس التكلفة الاجتماعية رقمياً وإنما بدرجة الاستقرار والسلام الاجتماعى، يمكن قياس التكلفة الاقتصادية للعنف ضد النساء من حيث الاستجابات الوقائية وتكلفة الفرص كما رصدها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء؛ ومنها على سبيل المثال:
- انخفاض الرواتب بسبب تكرار الغياب.
- ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية.
- أعباء متزايدة على الهياكل المسئولة عن تطبيق القانون نتيجة لحدوث العنف ضد النساء.
- تحمل القطاع العام أو قطاع الدولة أكبر نسبة من تكلفة الخدمات، إلى جانب الهيئات الحكومية الأخرى، بما فى ذلك النظام القضائى، والخدمات الصحية، وبيوت الإيواء، والخدمات الاجتماعية للنساء والأطفال، وتوفير الدعم المالى، وخدمات أخرى من الدعم الاجتماعى، وتكلفة الخدمات القانونية المدنية.
- التكلفة المرتبطة بانخفاض العمالة والإنتاجية، حيث إن المرأة تفقد جزءاً من دخلها، وأن أصحاب العمل قد يخسرون على مستوى الناتج، أو يتحملون مزيداً من التكاليف الخاصة بالإجازات المرضية، وتلك المرتبطة بالحاجة إلى التدريب لمن مورس بحقهن العنف.
- تفقد الدولة العائد من الضرائب بسبب غياب الناتج من العمل.
وبالتالى فإن الجهود الوقائية أثبتت أنها تمثل تكلفة أقل فى جهود علاج آثار العنف ومن ثم احتواء آثار الأزمة الاقتصادية.
ولقد كشف «مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعى مصر 2015» أن تكلفة السيدات اللاتى يتركن منازلهن بسبب عنف الأزواج تقدر بـ585 مليون جنيه سنوياً، هى قيمة تكلفة السكن البديل أو المأوى عندما تترك النساء منازلهن بسبب العنف، موضحة أن مليون امرأة يهجرن بيت الزوجية سنوياً بسبب المشاكل الأسرية وعنف الأزواج بأشكاله وأنواعه كافة.
كما قدّرت الدراسة تكلفة العنف ضد المرأة فى الأماكن العامة بنحو 571 مليون جنيه سنوياً، و548 مليون جنيه تكلفة النساء اللائى يعانين من العنف وعائلاتهن كل عام، بسبب الوقت الإضافى الذى يترتب على تغيير الطرق التى يسلكنها أو تغيير وسيلة المواصلات أو اضطرارهن لاصطحاب «مرافق» بسبب العنف فى الأماكن العامة، أما تكلفة العنف على يد الزوج أو الخطيب على كاهل السيدات أو الفتيات وأسرهن -وفق الدراسة- فهى مليار و49 ألف جنيه سنوياً، منها 831 مليوناً و236 ألف جنيه تكلفة مباشرة و661 مليوناً و565 ألف جنيه تكلفة غير مباشرة.
وبشأن إجمالى التكلفة المالية على الميزانية العامة للدولة والأسر التى تتعرض بها السيدات للعنف سواء من الأزواج أو من الدوائر المحيطة أو الغرباء، أوضحت الدراسة أن التكلفة هى 6.15 مليار جنيه سنوياً، هذا قبل تعويم الجنيه، فهل حسب الاقتصاديون التكلفة الاجتماعية للأزمة؟ نأمل ذلك.