شىء مثير للغاية أن يلجأ طلاب الثانوية العامة إلى استخدام أحدث ما قدمته تكنولوجيا الموبايلات والاتصالات فى ممارسة الغش الجماعى. أكيد سمعت عن «البلاك بيرى» ذلك الموبايل الصغير الذى تحمله فى يدك ليقرب لك البعيد، ويجعل العالم بين يديك، ولا بد أنك تعرف أن هذا الجهاز ثمرة اجتهاد لعقول بحثت ونحتت فى نظريات العلم سنين طويلة حتى وضعت أسس هذا الاختراع العجيب، ليأتى طلاب الثانوية العامة وشبكاتهم الأسرية والتعليمية اليوم ليوظفوه فى «الغش» من أجل مساعدة المهمل والفاشل على النجاح!. ومن العجيب أن شبكة الإنترنت والموبايلات التى كانت أداة أساسية من الأدوات التى ساهمت فى قيام الثورة ونجاحها أصبحت الآن أداة الغش فى الثانوية العامة. وكم ذا فى مصر من العجائب!.
وتعد فوضى «الغش» فى الثانوية العامة فألاً سيئاً للغاية حين تتزامن مع جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، فتسريب أسئلة الثانوية العامة -فى ظل ما وعدتنا به الحكومة من إجراءات حماية وتأمين- تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا حين نتذكر الجولة الثانية التى تجرى فى ظل نفس الوعود. ليس معنى ذلك التشكيك بحال فى كلام الحكومة أو تكذيب المسئولين. فالحكومة لدينا صادقة فى الكلام كاذبة فى العمل. فالعمل يتطلب مجهوداً، أما الكلام فـ«ببلاش»، وأبو بلاش كتر منه!. وأداء الحكومة يتشابه كثيراً مع أداء مواطنى الثانوية العامة من الفلول «الغشاشين».
الطالب الغشاش يرفع شعار «ليه تدفع أكتر ما دام ممكن تدفع أقل»، فلماذا يذاكر ويجهد نفسه فى الفهم والاستذكار وعنده المدرس الخصوصى؟ وليه يجهد نفسه ليستوعب ما يقوله المدرس الخصوصى فى الوقت الذى يمكنه فيه أن يغش، ولماذا يتعب إيديه فى «برشمة» الإجابات وعنده الموبايل والنت؟ و«الفل الكبير» الذى خلف «الفل الصغير» يرفع هو الآخر نفس الشعار، فلماذا يجتهد فى عمله ليزيد دخله وفى يده أن يربح الآلاف بـ«التنتيش» من الرشوة والنصب والاختلاس؟ والمدرس «الفل» ليه يتعب نفسه فى تعليم الطالب، الأسهل له أن يكتب له الإجابات بعد أن يصله الامتحان على «تويتر» ويتفرغ طول العام لـ«قفش» «المصارى» من درس فى «قفا» درس.
وعندما يذهب الطالب «الغشاش» والأب «النتاش» والمدرس «القفاش» إلى صندوق الانتخابات فإن رهانهم يكون دائماً على من يتشابه معهم فى أسلوب الحياة، سواء كان الغش أو النتش أو القفش، فى ضوء ذلك يمكننا أن نفهم نظام «الانتخابات» فى ضوء نظام «الامتحانات» وأن نقرأ نتائج انتخابات الرئاسة فى ضوء نتائج الثانوية العامة. ويبدو أن حياة البعض لا تصلح إلا تحت مظلة «هيا بنا نلعب»، مرة نلعب تعليم، ومرة محاكمات، ومرة انتخابات، وكله لعب!.