- كره رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أن يموت وفى نفس أصحابه ضغينة أو كراهية لجبل أحد، لأن كبار الصحابة قتلوا عليه وبُقرت بطونهم وجُدعت أنوفهم، ومنهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبدالمطلب، فذهب فى أخريات حياته ومعه الصحابة الكبار ووقف على جبل أحد، وقال: «أحد جبل يحبنا ونحبه»، وكأنه يريد لأمته ألا تكره أحداً، وأن يظلل الحب قلوبها حتى للجمادات، وأن يتفاءلوا من كل شىء وبكل شىء، ولا يتطيروا، كل المحاب تنبع من المحبوب الأعظم سبحانه الذى إذا أحببته بصدق أحببت كل شىء.
- خرج رسول الله «صلى الله عليه وسلم» من المسجد فاعترضه أحد الأعراب ثم دعا قائلا ً: «اللهم ارحمنى ومحمداًً ولا ترحم معنا أحداًً»، كان الدعاء غريباً وصادماً للنبى «صلى الله عليه وسلم» الذى اعتاد أن يدعو للناس جميعاً ويشملهم برعايته ومحبته ويرجو الخير للدنيا كلها جيلاً وراء جيل.
- لقد ضيق الإعرابى رحمة الله الواسعة التى وسعت كل شىء، الناس والطير والحيوان والجماد والخلق كله، فهى أوسع من كل شىء، فبهذه الرحمة ترفع الدابة العجماء بفطرتها حافرها عن وليدها خشية أن تؤذيه، ويطعم الأسد أولاده دون أن يفكر مرة فى التهامهم مهما استبد به الجوع.
- فالضيق ليس فى رحمة الله ولن يكون أبداً فى رحمته سبحانه «ورحمتى وسعت كل شىء»، وليس الضيق أيضاً فى فرص الحياة التى تكفل الله فيها بالرزق الوفير والحلال للجميع، ولا فى أرزاق الناس، ولا فى قلة كراسى السلطة أو المناصب، فكلها تسع جميع الكفاءات والكفايات.
- ولكن الضيق يكون فى القلب الأسود الذى يريد أن يستأثر وحده بكل شىء، وفى النفس الجشعة التى تتمنى الخير لنفسها وطائفتها فحسب ولا ترجوه للآخرين.
- إن أنانية هذا الأعرابى توجد الآن عند أكثر الناس، وجفاء وغلظة هذا الأعرابى زحفت على قلوب ونفوس الكثيرين هذه الأيام، ولم يعد يسلم من أخلاق كهذا الأعرابى إلا القليل.
- إننا نعيش اليوم زمن «نحن ومن بعدنا الطوفان»، وما دمت لن أستفيد من المطر فلا نزل القطر، وإذا جعت فلا شبع أحد، وإذا عطشت فلتظمأ الدنيا كلها، وإذا تألمت فلتمرض الدنيا كلها، وإذا زال سلطانى وجاهى فلتذهب الدنيا كلها إلى الجحيم.
- وأصابت هذه اللوثة أيضاً أولئك الذين يظنون أنهم احتكروا الدين وحدهم، وأصابت الذين يظنون أنهم احتكروا الوطنية دون سواهم، وآخرين ظنوا أنهم احتكروا الحق والحقيقة وحدهم، وكذلك الذين احتكروا الثروة والمال والمناصب العليا دون سواهم.
- يروى أنه ضاع حذاء طفل فى البحر، فغضب بشدة وكتب على الشاطئ: «هذا البحر لص فاحذروه»!
- وفى مكان قريب منه وقف رجل يصطاد فاصطاد سمكاً كثيراً فكتب على الشاطئ: «هذا البحر سخى فأحبوه»!
- وغرق شاب فى نفس البحر فكتبت أمه الثكلى على الشاطئ: «هذا البحر قاتل فالعنوه»!
- وعلى مقربة منه أخرج رجل مسن لؤلؤة من البحر فسعد وكتب: «هذا البحر كريم فأكرموه»!
- وعادت السفينة سالمة تحمل الصيادين بعد أن غنموا وربحوا فكتب القبطان على الشاطئ: «هذا البحر صديق ودود أسعدنا فتفاءلوا به»!
- وغرقت سفينة للهجرة غير الشرعية قرابة الشاطئ فغرق العشرات فكتب الأهالى المكلومون: «هذا البحر مشئوم فلا تقربوه»!
- وبعد ذلك كله جاء الموج عالياً فغسل كل ما كُتب على الشاطئ ونسى الجميع ما كُتب، وتذكروا أن البحر من خلق الله، جاء لنفعهم وخيرهم وبرهم، وهو جند من جنود الله ينفذ أقدار الله ويمضى سننه فى خلقه.
- ويروى أنه مر رجلان على أرقى المناطق السكنية فعجبا لجمال الفيلات والكمباوندانات والحدائق وحمام السباحة، فقال أحدهما لصديقه أين كنا حينما وُزعت هذه الأموال، ثم مضيا سوياً فبهرتهما أنواع السيارات الفارهة التى تخلب الألباب، فقال لصديقه أين كنا حينما وُزعت هذه الأرزاق الواسعة، فأخذه صديقه إلى مستشفى السرطان، فهالهما ما رأيا من حال المرضى، فقال وأين كنا حينما وُزعت هذه الأورام، ثم مر به على معهد الكبد والقلب فعجبا لحالة المرضى وهم على مشارف الموت يتأوهون ويتألمون، فقال لصديقه: وأين كنا حينما وُزعت هذه الأمراض.
- فعلينا ألا نهتم بكلام الآخرين وألا نعتبره مقياساً وحيداً للأشياء، فكل إنسان يرى الدنيا من وجهة نظره، وقد تكون نظرته للحياة بدائية وغير متعمقة وسطحية، وقد لا تتوافر له تجربتك فى الحياة، فاعف عمن أساء إليك وسامحه ليستريح قلبك وقلبه.
- وإذا أخطأ فيك صديقك أو أساء إليك فصحح الخطأ ولا تمح الأخوة والصداقة بينكما.
- الجميل ينظر إلى الجمال فى الكون ويرعاه بقلبه وجوارحه.
- والقبيح ينظر لمواطن القبح ويعانقها بقلبه ومشاعره.
- والعفو يحب العفو ولا يراه ذلاً، والمتكبر يرى العفو ضعفاً والتواضع خنوعاً.
- والطيب يتواصل مع الطيبين ويشعر أن الكون كله طيب من فرط طيبته، والفاحش يرى الكون وكأنه ماخور للفاحشة ولا يرى إلا أهل الفجور.