كلام لافت ذكره النائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، رفض فيه تصريحات بعض زملائه النواب عن كون رواتب السفراء المصريين بالخارج ملائمة لطبيعة المعيشة بالخارج، مشدداً على أن رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى تبرع بنصف راتبه ونصف ثروته لمصر، لأننا دولة فقيرة، وقال ما نصه: «إحنا بنقول للشعب شدوا الحزام وحضراتكم موافقين إن مرتب السفير يوصل 48 ألف دولار، ده غير إنه متوفر له سيارات وحشم وخدم».
العهدة فى هذا الرقم على النائب علاء عابد، وحقيقة يبدو رقم الـ48 ألف دولار هائلاً بالنسبة للكثيرين، فى ظل الأسعار الحالية المتداولة للدولار، إذ تقترب قيمة مرتب السفير من رقم المليون جنيه. أرجو ألا تفاجأ إذا قلت لك إن مرتب الرئيس بوتين (8.5) ألف دولار فى الشهر، فى حين يصل مرتب الرئيس أوباما إلى (33.3) ألف دولار، ومرتب أولاند (17.2 ألف)، ومرتب ميركل (22.3 ألف). شوف الحلاوة، مرتبات سفراء الخارجية المصرية، تزيد على مرتبات رؤساء أكبر دول العالم، بعدة أضعاف فى بعض الأحوال، كما يظهر فى مرتب الرئيس الغلبان «بوتين».
يحدث هذا فى وقت يتحدث فيه عدد من المصريين الذين يسافرون للعمل بالخارج عن سوء المعاملة التى يلقونها عندما يحتاجون إلى سفارتهم، وشكواهم من أن السفير فى بعض الأحوال يكون غير موجود، والأهم من ذلك مستوى أداء الخارجية المصرية فى العديد من الملفات، التى يعد السفراء فقرة أساسية ومهمة فى عمودها الفِقرى. يبدو أن «الفَقرى» الحقيقى هو من تكتب عليه الظروف أن يصاحب الجنيه طيلة عمره، أو يعمل بعيداً عن وزارة كالخارجية، أو يمارس مهمة أخرى داخل الوزارة غير مهمة السفارة. مؤكد أن من يحظى بهذا المبلغ الضخم محظوظ كل الحظ. هو محظوط فى البدء ومحظوط فى الختام، والأكثر تأكيداً أن مثل هذه الوظائف الرفيعة لا تصل إلى كل من هب ودب، ممن يصلح لها، بل تقع فقط فى حجر المحظوطين «التقال»!.
أريد لكى أدلل لك على أن وظيفة سفير تذهب إلى المحظوظين أن أذكرك بأمرين، أولهما قصة الشاب «عبدالحميد شتا» الذى انتحر من فوق كوبرى قصر النيل، بعد أن رفضته وزارة التجارة الخارجية -خلى بالك من الخارجية- لأنه «غير لائق اجتماعياً»، لتؤكد أن المبدأ الذى يحكم الانخراط فى السلك الخارجى يرتبط بمستويات اجتماعية واقتصادية معينة، وبالتالى فكل من يعمل فى هذا المجال هو محظوظ منذ الميلاد. ولا يهم طبعاً المسائل الفرعية الأخرى كالكفاءة والقدرة والمهارة، فكل هذه الأمور زوائد دودية، لا يليق أن نفكر فيها فى واقع كواقعنا!. الأمر الثانى الذى أريد أن أذكرك به يرتبط بذلك الحوار الشهير الذى أجراه عماد الدين أديب مع الرئيس مبارك. فقد سأل «أديب» حسنى مبارك عن مسألة الرئاسة وهل كان يحلم بها؟. فأجابه «مبارك» بأنه لم يفكر فى هذا الأمر، وأن كل ما كان يطمح إليه أن يسافر إلى لندن ليعمل سفيراً لمصر بها، حتى يتسنى له أن يعيش «عيشة الإكسلانسات»!. تقديرى أن ثمة موقفاً لا بد أن تتخذه الرئاسة نحو هذا الموضوع، خصوصاً أننا نعيش أوقاتاً صعبة، تزعم فيها الحكومة أنها فى أمس الحاجة لدولارات، فى وقت نجدها فيه تبعثر مثل هذه المبالغ على «إكسلانساتنا» بالخارج!.