اليوم كجماعة حاكمة، يعيد الإخوان إنتاج ثنائية الدولة الرسمية والدولة غير الرسمية التى عانت منها مصر طويلاً قبل ثورة يناير ٢٠١١.
تمثلت الثنائية هذه قبل الثورة، من جهة، فى وجود نخب حكم سلطوية سيطرت على الدولة وقمعت المعارضة وحظرت الجماعة. ومن جهة أخرى، استمرت قوة الإخوان فى التصاعد مجتمعياً وسياسياً وتنامى تأسيسهم لدولة غير رسمية موازية، قدمت خدمات اجتماعية ودينية للمواطن وضغطت بين الحين والآخر للمشاركة فى السياسة الرسمية عبر الانتخابات البرلمانية وانتخابات النقابات والاتحادات المهنية وتحملت فى المقابل قمعاً منظماً وتعقباً أمنياً لم ينقطع.
أما اليوم، فقد تحول الإخوان إلى جماعة حاكمة تسيطر على الرئاسة عبر أحد أعضائها، وتوجه العمل التنفيذى عبر حكومة الرئيس المنتخب، وللحزب الذى أسسته «الحرية والعدالة» أكثرية فى المجلس التشريعى (الشورى)، بل وتغزو أجهزة الدولة التنفيذية والإدارية بتعيين أعداد متزايدة من أعضائها وبتجاوز واضح لقاعدة تكافؤ الفرص وقاعدة حيادية الدولة (بعيداً عن مناصب السياسيين المنتخبين أو المعينين)، ومع هذه السيطرة المتنامية ومع زوال القيود التى كانت مفروضة عليها قبل الثورة، تعيد الجماعة إنتاج ثنائية
الدولة الرسمية والدولة غير الرسمية بتداعيات شديدة السلبية.
فالرئيس المنتخب يعمل مع فريق رسمى من المساعدين والمستشارين داخل مؤسسة الرئاسة، وهناك خارجها فى المقطم (الجماعة) وفى المنيل (الحزب) فريق آخر غير معلوم للرأى العام أكثر تأثيراً فى صناعة القرار وأكثر وصولاً إلى الرئيس على النحو الذى دفع بعض المستشارين الرسميين إلى الاحتجاج، ثم الاستقالة وتوجيه النقد العلنى لغياب الشفافية.
والحكومة التى عينها رئيس الجمهورية المنتمى للجماعة لإدارة المهام
التنفيذية، تقابلها حكومة ظل موازية، مواقع أعضائها بالمقطم والمنيل وبالوزارات المختلفة، للوزراء الرسميين «خبراء» يراقبون ويوجهون عملهم ويتدخلون به، وهؤلاء يجلسون فى لجان الجماعة أو الحزب أو يحتلون مواقع المستشارين فى الوزارات وفى الرئاسة. يثير وجود حكومة الظل الإخوانية للحكومة الرسمية التى عينها الرئيس الإخوانى وبتأييد من الجماعة وحزب الحرية والعدالة الكثير من الارتباك فى وزارات حيوية كالمالية والخارجية وغيرهما، ويعود بالسلب على الأداء الحكومى ويرفع فى هذه الوزارات من منسوب الصراع والفوضى وغياب الشفافية.
وبذات الممارسات، يعاد إنتاج ثنائية الدولة الرسمية والدولة غير الرسمية فى أجهزة المحافظات والكثير من الأجهزة التنفيذية والإدارية، فيصبح نواب المحافظ فى بعض المواقع أكثر نفوذاً من المحافظ ومسئول الاتصال بالجماعة أو حزبها عن الدائرة الانتخابية أو الوحدة المحلية أكثر فعالية من المسئولين التنفيذيين فى الأحياء والمراكز والقرى.
والحصيلة النهائية لثنائية دولة الإخوان الرسمية وغير الرسمية هى غياب الشفافية عن مؤسسة الرئاسة والحكومة وغياب الإصلاح الديمقراطى عن الأجهزة التنفيذية والإدارية.
الحصيلة النهائية هى بقاء الإخوان كجماعة خارج إطار القانون، وتحول الرئاسة إلى مؤسسة غير معلوم من يؤثر فى صناعة القرار
بها، وشغف حزب الحرية والعدالة بحكومة الظل وبمساعدين ومستشارين يديرون الأمر بصلاحيات واسعة ولا يتحملون المسئولية السياسية الملقاة على عاتق وزراء لا حول لهم ولا قوة، وفى التحليل الأخير تمكين الإخوان من الوجود فى الدولة الرسمية وغير الرسمية، ومن الحكم من مواقع متنوعة، ومن المعارضة أيضاً حين يرغبون.