يشكل التمثيل بمختلف مدارسه واتجاهاته، عنصراً أساسياً من عناصر القوة والتميز فى تاريخ السينما المصرية والعربية، وقد فطن الناقد والباحث محمود قاسم إلى ذلك فواصل جهوده فى إثراء المكتبة السينمائية العربية، بعد موسوعتيه السابقتين «الأفلام الروائية فى مصر والعالم العربى» عن الهيئة العامة للكتاب و«موسوعة الأغنيات فى السينما المصرية» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإصدار طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من «موسوعة الممثل فى السينما العربية ١٩٢٧-٢٠١٣» فيما يزيد على ستمائة صفحة من القطع الكبير.. تتضمن موادها صوراً وسيراً ذاتية وقائمة أفلام مقرونة بأسماء مخرجيها لما يقرب من ١٤٠٠ ممثلة وممثل على المستوى العربى، وهو جهد فائق وطموح يعتذر الباحث -مسبقاً- عما قد يشوبه من قصور رغم أنه هو الذى اختار أن يوسع دائرة البحث ويوثّق لمساحة زمنية واسعة تصل إلى خمسة وثمانين عاماً، لم تقتصر على السينما المصرية بأفلامها التى تقارب أربعة آلاف فيلم، بل سعى إلى محاولة الإلمام بفنانى السينما فى العالم العربى، مما شكل عبئاً إضافياً على الباحث أدى إلى غياب كثير من أسماء فنانين عرب، ومصريين كذلك، عن الموسوعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر الكامل لا نجد اسم المغربى محمد مفتاح والجزائرى حسن قشاش، والتونسيين أحمد الحفيان وريم التركى ولطفى العبدلى، والسوريين عبدالمنعم عمايرى وزهير رمضان وديمة قندلفت وسلاف فواخرجى، والفلسطينية القديرة هيام عباس، وهى أسماء شاركت فى العديد من الأفلام المهمة مع مخرجين كبار كنورى بوزيد وأحمد راشدى وعبداللطيف عبدالحميد ويسرى نصرالله ورضا الباهى، كما خلت من أسماء مصريين مثل الواعدة أيتن عامر (شارع الهرم / ساعة ونصف) والموهوبة ناهد السباعى (بعد الموقعة / ساعة ونصف) رغم مرور عشر سنوات على فيلمها الأول «من نظرة عين ٢٠٠٣».
يشكو الباحث فى مقدمته من عدم توفر المعلومات الدقيقة عن الممثلين، وله الحق؛ ففى الوقت الذى نجد فيه كافة البيانات والمعلومات بالغة الدقة عن العاملين فى مجال السينما بالموسوعات الأجنبية المتخصصة، نلاحظ أن موسوعاتنا تفتقر إلى تلك الدقة بسبب سيطرة ثقافة إخفاء المعلومات -حرجاً- على أذهان كثير من فنانينا، لذا يغيب تاريخ الميلاد الحقيقى أو الكامل عن العديد من شخصيات الموسوعة، ومن ثم يكتفى الباحث بإثبات سنة الميلاد فقط، وربما لو كان قد استعان بالبيانات المتوفرة فى ملفات نقابات المهن التمثيلية فى مصر والدول العربية لجاءت الموسوعة أكثر اكتمالاً.
إن إنجاز مثل هذه الموسوعات، وهى من الصناعات الثقافية الثقيلة، التى تحتاج إلى جهد هائل، يجب أن تضطلع به مؤسسات كبرى، دأب محمود قاسم على القيام به منفرداً، لذا، ورغم ما قد يعتور موسوعاته أو يشوبها من قصور، إلا أنها تسد فراغاً وتستكمل نقصاً حقيقياً فى حقل الثقافة السينمائية، وربما كان عليه أن يتخفف من عبء الجانب العربى فهو أمر منوط بزملائنا الباحثين والنقاد فى تلك الأقطار الشقيقة.
تحية للرجل / المؤسسة محمود قاسم، وشكراً للهيئة العامة للكتاب ورئيسها د.أحمد مجاهد لتبنيه إصدار تلك الموسوعات وتوفيرها بسعر معقول رغم ضخامة تكاليفها، وإن كنت أتمنى أن يقوم صندوق التنمية الثقافية باستكمال مشروعه، الذى بدأ منذ سنوات، فى إنشاء قاعدة بيانات كاملة ودقيقة، وفق أسس بحثية علمية، عن السينما المصرية، ولا بأس من الاستعانة بمثل هذه الجهود والاجتهادات السابقة، على أن يصدرها فى أقراص مدمجة (سيديهات) توفر على الباحثين والمهتمين مشقة البحث فى آلاف الصفحات الورقية، أو ينشئ موقعاً خاصاً بها على الإنترنت، يمكن استثماره، على غرار قاعدة البيانات السينمائية الشهيرة imdb) International Movie Data Base) التى باتت مرجعاً أساسياً للهواة والمحترفين فى كل أنحاء العالم.