هذه هي الحلقة الثالثة من سلسلة (أعظم ما قرأت) نتناول فيها عددًا من الروايات والكتب التي أعدها من جملة أعظم ما قرأت، موضِّحًا أن معياري الأساس لم يكن سوى الاستمتاع المفيد..
إن أيَّ كتابٍ صِيغَ معلوماتٍ أكاديميةً دون روح الأديب به، تلك الروح التي تجبرك على التهام الصفحات، وإجالة النظر فيه مرة بعد مرة، لا يُعدّ في رأيي كتابًا يستحق القراءة، وإن كان يحوي عجائب الأكوان.
المتعة تأتي أولاً، والاستفادة تتلوها.. ما الذي يدفعني إلى إتمام كتاب هو عبارة عن ملصقات مجمَّعة، وآراء جافة، في حين أن الآراء ذاتها يمكن أن تلمح في ثنايا حكي رشيق، وقصٍّ ماتع؟!
ونتناول اليوم ثلاثة كتب كان لها أثر بالغ في اجترار الوقت وإنفاقه ببذخ، إذا قرأتموها فستعرفون مقصدي
1- النسيان، رواية كولومبية (اللغة الإسبانية) لإكتور آباد فاسيولينسي:
قبل أن أقرأ هذه الرواية، لم أكن أظنّ أن شخصًا في الأدب الإسباني قد يتجاوز إدجار آلان بو (كاتب الرعب الأميركي) في إشعار الغير بالمعاناة، وتركهم بعد قراءة الرواية نهبًا للاكتئاب، والإحساس بالضياع، والتنبيه على قسوة هذا العالم.. قلت: كان هذا شعوري قبل أن أقرأ الرواية، فلما قرأتها تبيَّن أن الأدب الإسباني له سلطانه الذي يفوق ويعلو.. فهذا هو فاسيولينسي الابن، يكتب عن أبيه الطبيب اليساري المحترم، قصة حياته وموته، غناه وفقره، معاناته مع الأنظمة التوتاليتارية التي لا تؤمن بحرية رأي ولا بتقدير للعلم، يشرح الابن عن أبيه كيف جابه الأخطار، فجائعه وانتصاراته، واحتضانه له وتعليمه مبادئ الحياة، وكيفية الحدب على الآخر وضم المختلف إلى المتشابه، ومحاربة عصر يشبه كل عصر أوتوقراطي!! ينتهي الأمر على نحو مأساوي، بقلم خبير بمواطن الألم ونزغات القلوب، يلعب على أوتار المأساة، وكيفية خروج الألم من رحم اليأس.. رواية فيها كل خلطة النجاح، والأديب مع أنه يسرد سيرة شخص آخر، يضع فيها تخومًا من الفلسفة واللعب على عجلة الزمان تقديمًا وتأخيرًا في قالب مشوق ويعتصر غلالة الضراعة والالتحام مع الكون.
رابط الرواية: http://mybook4u.com/component/ars/download/final/4488
2- كتاب (الإنسان والنسبية والكون)، تأليف د. عبد المحسن صالح:
هو كتاب علمي، من تأليف عام 1970، وما زالت مبادئ الفيزياء فيه هي الأسس التي يُعتمد عليها في فهم أعظم بحوث الطبيعة الآن.. يحكي د. عبد المحسن الفيزياء في قالب رائع وبسيط إلى أقصى حد!! يتحدث عن «بهية» إذا ركبت صاروخًا فضائيًّا، وعن «فهلاو» إذا سار بسرعة الضوء، وعن «سعاد» عندما مات النجم وتحوَّل إلى ثقب أسود، وهل صعد الإنسان إلى القمر حقيقة، في قالب قصصي مشوِّق، كتاب في تبسيط العلوم لا بد أن تقرأه.. لا أفرض عليك رأيًا، لكن إن أردت أن تعرف شيئًا عن الكون من حولك، فلا مفر من أن تتصفحه، وتتابع حديثه وأرقامه. ستستمتع بالكتاب، وتنهيه وقد صرت خبيرًا في مبادئ العلوم والفيزياء، ويمكنك أن تشرح كتاب الفيزياء للثانوية العامة بأسلوب (أولاد البلد)..!
الأروع أن هذا الكتاب لا يمنح معلومة، وإنما يدربك على تخليصها وفهمها واستيعابها، والتماهي معها.. كتاب أبٍ حاني يريد لأبنائه أن يفهموا، ويريد للعلم مكانتَه المستحقَّة.
رابط الكتاب: http://www.books4arab.com/2016/01/pdf_840.html
3- «ميرامار»، رواية لنجيب محفوظ:
لم تقرأ «ميرامار»؟!
قُمْ وابدأ بها على الفور.. رواية عظيمة من رواية الخالد في عالم الأدب وبين طَبَعَات الحروف نجيب محفوظ، الأديب الذي كشف النقاب عن تناقضات المجتمع المصري وتعقيدات العلاقات بين ألوان طيفه.. استخدم تكنيكًا كتابيًّا لم يكن منتشرًا؛ الحكي على لسان الشخوص، فَعَبْر عدد من الشخصيات التي تسكن (بانسيون) في أحد أحياء القاهرة، تتشابك القصة، وتكون نقطتها المركزية الخادمة التي جاءت لتأكل لقمة عيشها بالحلال، يمنيها أحدهم بالزواج، والآخر يريدها ابنة وصديقة، والثالث يطمع في جسدها، وبين هؤلاء جميعًا تعتمل حكاية يرويها كلٌّ من وجهة نظره وباستخدام أدواته..
وينهيها بآيات من سورة الرحمن، تريك إلى أي حد استقى معرفته من تراثه، وإلى أية درجة ينطبق معنى الآية على طبيعة مجتمع إن لم يتمسك بأهداب العدالة، فإنه سيلقى مصير المجتمعات المأزومة في العالم!
تريدون أن تعرفوا نجيب محفوظ، اقرءوه بقراءة هذه الرواية، لا تنظروا إليه في (حكايات حارتنا) أو في الثلاثية، فلكل كتابة غرض، ولكل قراءة توقيت، ابدءوا بـ«ميرامار»، وستعرفون لماذا يستحق ألف نوبل!
رابط الرواية: http://mybook4u.com/component/ars/download/final/1440
(ماشي)؟!
#طوبى_لمن_يقرأ