تحية واجبة لهيئة الرقابة الإدارية على الجهد الذى تقوم به لمواجهة الفساد داخل بعض مؤسسات الدولة؛ فبعد الكشف عن شبكة الاتجار بالأعضاء البشرية، تمكن رجالها من ضبط موظف مرتشٍ، حوّل بيته إلى بنك متنوع العملات، شملت: 24 مليون جنيه مصرى، 4 ملايين دولار أمريكى، 2 مليون يورو، مليون ريال سعودى، وخزائن مشغولات ذهبية، وعقود سيارات. وفى ضوء ما نشرته الصحف فقد تأكد أن المتهم فى هذه القضية موظف مشتريات بإحدى الجهات الرسمية!
لعلك طالعت الصور التى التقطتها عدسات الصحف للمضبوطات، والتى تنقل مشهداً مثيراً، أظن أن من الممكن تكراره، فى مواقع أخرى، لو شدت الهيئة المحترمة حيلها معانا!
مسئول المشتريات داخل كل مؤسسة، كبرت أم صغرت، من الموظفين المحاظيظ، خصوصاً إذا كان معدوم الذمة والضمير. ففرص التربح أمامه مواتية وكبيرة، خصوصاً إذا كان يعمل فى مؤسسة رسمية كبرى، تتعدد وتتنوع مشترياتها. مدير المشتريات هو الذى يدير المناقصات والمزايدات، بالإضافة إلى إصدار أوامر الشراء المباشر فى بعض الحالات، كل مناقصة أو مزايدة أو أمر مباشر بالشراء يمكن أن ينطوى على الكثير من الأرباح لأصحاب الذمة «الكاوتشوك» من موظفى المشتريات، وذلك عبر الرشاوى التى يحصلون عليها من الجهات التى تورد السلعة أو الخدمة المطلوبة للمؤسسة. هذه الرشاوى تبدأ من الهدايا العينية، وتنتهى بتلك الملايين التى تم ضبطها مع المتهم الأخير. حظوظ «البؤس» تتفاوت بالطبع تبعاً لحجم ميزانية المشتريات بكل مؤسسة.
لا يستطيع مسئول المشتريات المرتشى داخل أى جهة رسمية إدارة أعماله «الشمال» بمفرده، فلا بد أن يكون له شركاء، والشراكة هنا لا تنصرف فقط إلى قسمة الرشوة على اثنين أو ثلاثة لتسهيل العملية، بل قد تتمدد إلى ما هو أخطر، وأقصد بذلك الإهمال، فبعض المسئولين الكبار داخل مؤسسات الدولة لا يراقبون أداء موظفى المشتريات بالدرجة المطلوبة من الدقة، قد يحتج المسئول على ذلك بعبارة «هراقب مين ولّا مين؟»، قد يكون، ولكن ما عذر المسئولين فيما يتعلق بمسألة التدقيق فى اختيار مسئولى المشتريات داخل مؤسساتهم؟
عملية الاختيار فى المواقع الوظيفية داخل العديد من المؤسسات يشوبها قدر لا بأس به من العبثية والإهمال، وأحياناً الانفلات، الأمر الذى يتسبب فى تصعيد كل من هب ودب إلى مواقع شديدة الحساسية، لتتحول مؤسساتنا المرهقة إلى مؤسسات خربة!
كل من عمل فى دولاب الدولة المصرية يعلم أن أسهل قرار يمكن اتخاذه داخل أى مؤسسة هو «الشراء»، وآخر أمر يتم التفكير فيه هو الاستفادة مما يتم شراؤه. على سبيل المثال، من السهل جداً على أى مؤسسة أن تشترى أجهزة كمبيوتر بالملايين، لكن يعسر عليها كل العسر أن تستعين بخبراء لتدريب العاملين بها أو إنتاج برامج -لا تتكلف إلا بضعة آلاف- تمكن المؤسسة من الاستفادة من الأجهزة المملينة. والنتيجة التى تترتب على ذلك إدراج الأجهزة -التى لم تزل فى الكراتين- فى عداد الكهنة. نحن هنا أمام مشهد شديد الإثارة: موظف مرتشٍ، ومسئول مخرب. المرتشى سكّته معروفة، فهو رجل خرب الذمة، ويكسب من الحرام، أما المسئول المخرب، فقد يبدو نظيف اليد، لكنه خرب العقل، وخراب عقل الإنسان لا بد أن يؤدى إلى خراب المكان!