رحلة «جمال اللبان» فى عالم التربح من موقعه الوظيفى، ليست فريدة فى طبيعتها ولا تفاصيلها، فبإمكانك أن تجد قصصاً شبيهة عديدة من حولك، قد يختلف اسم البطل، لكنك ستجده فى النهاية من تلك الفصيلة «اللبانية». رحلة «اللبان» بدأت بالحصول على دبلوم تجارة، بعدها تم تعيينه فى مجلس الدولة، ولأن التعليم الجامعى أصبح مفتوحاً على «البحرى»، التحق «اللبان» ببرنامج كلية التجارة، وحصل على البكالوريوس، وسوّى حالته، حتى وصل إلى منصب مدير المشتريات والتوريدات بمجلس الدولة منذ 4 سنوات.
«اللبان» داخل أى مؤسسة من مؤسسات الدولة، ليس فرداً، بل هو تعبير عن حالة، وقبل أن يجد أحد فى هذا الأمر فرصة للغمز فى حق المؤسسة القضائية، أسارع إلى التأكيد أن حالة اللبان هى حالة دولة بكل مؤسساتها، لا أستثنى أحداً. وكل من عمل فى دولاب الدولة المصرية يعلم ذلك، ويفهمه أشد الفهم. وبالتالى لا داعى للزج بالمؤسسة القضائية التى تمثل أحد حصون هذه الدولة فى هكذا حديث!. عبارة قالها «اللبان» تكشف لك أنه لا يعبر عن نفسه قدر ما يمثل بيان حالة للواقع، جاء فيها: «أنا مش هروح فيها لوحدى»، لأن المؤكد أن لـ«اللبان» شركاء، فمن الصعب تصور أن يقوم بنشاط يخلّف هذه المبالغ الهائلة التى جمعها بمفرده. عصابات المشتريات موجودة داخل كل المؤسسات، ولو نشطت هيئة الرقابة الإدارية فى هذا السياق، فستجد نفسها أمام مبالغ مهولة، كانت تهدَر من المال العام، وتؤدى، كما بينت لك بالأمس، إلى خراب مؤسسات الدولة. والمسألة لا تتعلق فقط ببعض العاملين فى أقسام المشتريات والتوريدات، بل تتمدد إلى غيرها!. فـ«شغلانة» المخلصاتى من «الشغلانات» الأصيلة التى تنتشر فى مؤسسات معينة نعلمها جميعاً، وبإمكان من يمارس مهمة المشهلاتى أن يبنى بيوتاً، ويقتنى سيارات، بل قد يتوسع أكثر فيتمدد إلى الفيلات والمنتجعات والشقق الفاخرة، والسيارات الفارهة، وخلافه. وظيفة «المشهلاتى» قائمة فى كل الأماكن، وحاضرة فى كل التخصصات.
«المخلصاتى» - صغر أم كبر - هو بالأمانة جزء من موروثات العصر «المباركى». وأصل لعبة الفساد التى ترسخت على مستوى القمة والقاعدة فى عصر هذا الرجل. كانت فكرة التشهيل حاضرة فى قضية القصور الرئاسية التى أدين فيها مبارك وأنجاله، وكانت ظاهرة أيضاً فى العديد من الاتهامات التى وُجهت إلى رجال هذا العصر. والإنصاف يقتضى الاعتراف بأن الفكرة المباركية الخالصة، لم تكن مرتبطة برؤوس النظام، أو رجاله، ممن تقدر ثرواتهم بالمليارات، بل امتدت وانغرست فى قلب الواقع المصرى، وآمن بها نفر غير قليل من أفراد الشعب، وبدأوا يلعبون اللعبة، وأمام عجزهم عن نقل الأموال إلى بنوك الخارج، هداهم تفكيرهم إلى تخزينها فى البيوت، كما فعل «اللبان». هذا القطاع من المصريين هو الذى يعطى اليوم الذريعة لتلك اللكلكة الحكومية والنخبوية التى تتحدث عن الشعب الغنى الذى لا يتوقف عن الشراء رغم ارتفاع الأسعار، وهى تعطيهم المستند الذى يتمحكون به، وهم يؤكدون أن «الدنيا زى الفل» وأن المصريين يقبلون على الشراء رغم ارتفاع الأسعار، لأنهم شعب غنى!. وهى فكرة تجد سندها فى «المباركيين» الصغار، الذين يتباكون على أيامه، ليس إلا، وأراهنك أن أغلبهم «لبانين»!.