قد يتساءل القارئ فى دهشة عما إذا كان ثمة حق فى النجاح، وعن المستفيد من هذا الحق، والجهة المكلفة بتنفيذ مقتضياته. ولهذا السبب قمنا بوضع علامة استفهام وعلامات تعجب فى عنوان هذا المقال. وما دفعنى للكتابة فى هذا الموضوع إحدى المقولات المنسوبة إلى فقيد مصر الكبير الدكتور أحمد زويل، حيث قال إن «الغربيين ليسوا عباقرة ونحن أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل».
وبإمعان النظر فى العديد من القوانين الأمريكية نجدها تنهض شاهداً ودليلاً على صدق مقولة عالمنا الراحل الكبير. ولعل ذلك يبدو واضحاً فى عنوان القانون الأمريكى الصادر فى العاشر من ديسمبر 2015م، ويحمل اسم (Every Student Succeeds Act)، وترجمتها: «قانون حق كل تلميذ فى النجاح». فإذا كانت منظومة التشريعات الأوروبية والعربية تكتفى بالحديث عن الحق فى التعليم فإن المشرع الأمريكى قد تجاوز ذلك إلى تكريس الحق فى النجاح لجميع التلاميذ من خلال توفير كل الإمكانيات المادية والبشرية والتربوية اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
وفى المجال الاقتصادى، تقوم فلسفة قوانين الإفلاس الأمريكية على أساس تشجيع الأفراد الذين يفشلون فى مشروعاتهم على مواصلة جهودهم ومحاولة النهوض من جديد. فإذا فشل مشروع تجارى فى الولايات المتحدة الأمريكية فإن بوسع الفرد أن يمضى فى حياته دون أن يعيش فى عار أو فى فقر مدقع. ولا يُنظر إلى الفشل التجارى فى الولايات المتحدة الأمريكية نظرة سلبية، خلافاً لما يحدث فى العديد من الدول الأخرى. والقدرة على البدء من جديد هى ما يجعل الأمريكيين مستعدين للمجازفة فى العمل، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد ككل. إذ تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على استخدام الإقراض من قبَل الأفراد والأعمال لدعم اقتصادها، كما تطبق قوانين إفلاس متسامحة تحمى الأفراد والأعمال إذا أصبحوا عاجزين عن أداء ديونهم. وبذلك تدعم هذه القوانين النظام الرأسمالى ونمو الأعمال الصغيرة عن طريق تشجيع الأفراد على المجازفة فى الأعمال. ووفقاً للفصل الحادى عشر من قانون الإفلاس الأمريكى، يمكن للمشروعات المتعثرة إعادة تنظيم ديونها، وبحيث تواصل عملها بذات الإدارة، وبدون أن يتم تعيين وصى أو قيّم على أعمالها. ويعتقد البعض أن هذا النظام يشجع النمو الاقتصادى ونمو الوظائف، لأن عدداً كبيراً من الشركات تواصل عملها وتتم حماية أصولها. وهكذا، يتميز الاقتصاد الأمريكى بالحيوية والنشاط، وكلما ازداد النشاط فى الاقتصاد ازدادت قوته. وتقوم فلسفة القانون الأمريكى على أساس تشجيع الأفراد على تأسيس الشركات وتدشين المشروعات، أملاً فى أن ينجحوا ويوظفوا المزيد من الأشخاص العاطلين عن العمل ويدفعوا الضرائب ويساهموا بالتالى فى تحسين الاقتصاد ككل. وفى ظل هذا النظام، ستفشل بالتأكيد بعض المشروعات، ولكن الصورة العامة للاقتصاد ستكون مبشّرة وسوف يحقق القانون أثراً إيجابياً من خلال نشر ثقافة الإقدام وعدم الخوف أو التردد لاغتنام الفرصة وتحقيق النجاح. وقد يُحدث قانون الإفلاس الأمريكى صدمة لدى الكثيرين فى دول العالم القديم وفى عالمنا العربى على وجه التحديد، بسبب التسامح والتساهل الذى يتسم به إزاء الشركات المفلسة. ويُعزى ذلك جزئياً إلى اختلاف القوانين الأمريكية عن غيرها من الدول. فالديون لا تشطب بسهولة فى معظم أنحاء العالم، وهناك فى العادة وصمة عار مرتبطة بالفشل المالى. وفى بعض البلاد، قد تكون وصمة العار من الفشل قوية بما فيه الكفاية، بحيث تؤدى بالبعض إلى الإقدام على الانتحار.
على النقيض مما سبق تبدو حالة التشريعات فى بلادنا، حيث نتناول ذلك بشىء من التفصيل فى المقال المقبل.. والله من وراء القصد.