يقترب يوم الثامن عشر من يناير2017 وهو يوم الذكرى الثالثة لصدور دستور مصر لعام 2014، بعد ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وفى ذات الوقت تتجدد دعوات تعديل الدستور بدعاوى مختلفة، رغم أنه يعانى من تعطيل فعلى يقترب من حد التجميد!
وقد بدأت تلك النغمة إلى التعديل المبكر للدستور بحديث للرئيس السيسى كان مفاجأة كبيرة أثناء افتتاح مهرجان طلاب الجامعات بالإسماعيلية يوم 13 سبتمبر 2015، حين قال «إن بعض مواد الدستور كتبت بنوايا طيبة، ولكن النوايا الطيبة لا تصنع الدول»! وبعد إشارة الرئيس تلك، ساد المشهد الإعلامى فورة نفاق ممن ظنوا أن الرئيس يهاجم الدستور وأنه غير راض عنه، وتخيلوا أن ما يرضى الرئيس، الذى انتخبه المصريون بأغلبية غير مسبوقة فى ظل ذلك الدستور، هو تعديله قبل أن يتم تفعيله!! وكان الرئيس السيسى أثناء الاحتفال بالذكرى الثانية والأربعين لنصر أكتوبر العظيم، قد استرجع تلك العبارة وأشار إلى أن البعض تحسب من هذا الكلام، وأكد أنه واحد من أبناء الشعب المصرى وليس صاحب سلطان، بل هو واحد من أبناء الشعب المصرى، قاطعاً الطريق على المتربصين بالدستور قائلاً: «وإذا حد فكر إن تعديل الدستور من أجلى أو لصالحى فأنا إن شاء الله لا»!!
وفى حديثه بعد جنازة شهداء التفجير الإرهابى للكنيسة البطرسية، طالب الرئيس البرلمان والحكومة بالتحرك السريع لإصدار قوانين تعالج مسألة الإرهاب بشكل فعال وحاسم، وتعديل أية قوانين مكبِّلة بما يضمن الجزاء الرادع لكل من يستهدف أمن المصريين، وبدلاً من الاهتمام بسرعة تعديل قانون الإجراءات الجنائية لتحقيق العدالة الناجزة كما طالب الرئيس، اتجه البعض إلى إطلاق دعوة جديدة لتعديل الدستور بالنص على جواز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهو ما يحرمه الدستور الحالى فى المادة رقم 204 التى جاء بها «.. ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى، إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى، وأعضاء القضاء العسكرى مستقلون غير قابلين للعزل، وتكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية».
وفى مناسبة الذكرى الثالثة لإصدار الدستور نتطرق إلى الإشكالية الأكبر وهى ليست تعديل الدستور، بل ضرورة تقنينه وتفعيله بما يحقق مقاصده وغاياته الوطنية. إن تفعيل دستور ثورة 30 يونيو يتطلب ثورة تشريعية شاملة تكتسب أهميتها من أنها ستكون أساساً فى حال تمت بالكفاءة القصوى وبالتجرد الوطنى.
والإشكالية هنا؛ أن إتمام تلك الثورة التشريعية يستلزم تفكيراً غير تقليدى، حيث إن مسئولية إتمام تلك المهمة الشاقة والرئيسية فى ذات الوقت، وتتمثل تلك الإشكالية فى ضرورة إعداد التشريعات الجديدة التى نص عليها الدستور نصاً صريحاً كما جاء فى المادة 238 بأن «تضمن الدولة تنفيذ التزامها بتخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومى على التعليم، والتعليم العالى، والصحة، والبحث العلمى المقررة فى هذا الدستور تدريجياً اعتباراً من تاريخ العمل به، على أن تلتزم به كاملاً فى موازنة الدولة للسنة المالية 2017/2016. وتلتزم الدولة بمد التعليم الإلزامى حتى تمام المرحلة الثانوية بطريقة تدريجية تكتمل فى العام الدراسى 2017/2016.
وما جاء بالمادة 239 بأن «يصدر مجلس النواب قانوناً بتنظيم قواعد ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية، بما يضمن إلغاء الندب الكلى والجزئى لغير الجهات القضائية أو اللجان ذات الاختصاص القضائى أو لإدارة شئون العدالة أو الإشراف على الانتخابات، وذلك خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور. وما جاء فى المادة 241 بأن «يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية». وما جاء فى المادة 237 أن الدولة بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ملتزمة بمواجهة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله وفق برنامج زمنى محدد والحصول من الإرهابيين على التعويض العادل عن الأضرار الناجمة عن إرهابهم وبسببه. ومنذ إقرار الدستور فى 18 يناير 2014 لم تحاول الدولة تفعيل هذا النص ولم تلتزم بإعلان صريح عن خطتها فى مواجهة الإرهاب، وحتى بعد إصدار رئيس الوزراء قراره باعتبار جماعة الإخوان المسلمين «منظمة إرهابية» لم تحاول حكومته تطبيق مواد الإرهاب المضافة إلى قانون العقوبات والإجراءات الجنائية وأشهرها المادة رقم 86، ولا يزال قانون الكيانات الإرهابية وقانون مكافحة الإرهاب غير مفعلين!!
كذلك يكون تفعيل الدستور بتعديل التشريعات القائمة بما يجعلها متوافقة مع نصوص الدستور كما جاء فى المادة 242 التى نصت على أن «يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه. كذلك يتطلب تفعيل الدستور إلغاء قوانين بسبب عدم دستوريتها أو بسبب تناقضها مع مواد فى الدستور تناقضاً يلزم معه استبدال قوانين جديدة أو معدلة بها تتوافق مع النصوص الدستورية الجديدة.
كما نصت المادة 227 من الدستور على أن «يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً، وكلاً لا يتجزأ وتتكامل أحكامه فى وحدة عضوية متماسكة»، وتشير تلك المادة إلى أن على مجلس النواب مسئولية تاريخية لترجمة تلك المبادئ والتعهدات إلى تشريعات نافذة، والرقابة على السلطة التنفيذية فى تنفيذها والحفاظ على روح التشريع وليس فقط على نصوصه، وأن السلطة التنفيذية عليها مسئولية كبرى فى تفعيل تلك التشريعات وترجمتها إلى نظم عمل وإجراءات تتصف بالعدالة والمرونة ولا تتصادم مع غايات التشريع أو تفرغه من مضامينه الحقة، كذلك على السلطة القضائية تطبيق تلك التشريعات أو اتخاذ إجراءات رفعها إلى المحكمة الدستورية العليا فى حالة وجود شبهة عدم دستورية فيها.
والأهم أن يكون الشعب بحق «السيد فى الوطن السيد» كما جاء فى ختام ديباجة الدستور، وأن يمارس سيادته كما حددتها المادة الرابعة من الدستور ذاته «السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين فى الدستور».
وفى الأسبوع المقبل بإذن الله نعرض المزيد عن ضرورات تفعيل الدستور!!