يتهم الكثيرون ثورة يناير بالوقوف وراء التدهور الذى أصاب أوضاعنا الاقتصادية، بما لذلك من آثار على الأحوال المعيشية للمواطن. هذا الكلام «خال من الموضوعية»، لعدة أسباب، أولها أن دولاً كثيرة لم تقم بها ثورات مثل دول الخليج ورغم ذلك تتعرض، بالتزامن، لما تتعرض له مصر، واتخذت حكوماتها العديد من الإجراءات الاقتصادية التقشفية، كان لها صداها على المرتبات وأسعار السلع والخدمات والدعم الحكومى الموجه إلى الوقود، بل بدأ بعضها يلجأ إلى القروض الخارجية. حدث ذلك فى المملكة العربية السعودية، وتكرر فى الكويت. ثانيها أن الحديث عن أن الأوضاع أيام مبارك كانت أفضل هو حديث غير مقنع. فالكثير من المشكلات التى نعانى منها الآن تجد جذورها فى السياسات التى سادت هذه الفترة، بل يمكننا القول إن كثيراً من أوجه الخلل التى تظهر فى أداء النظام الحالى تجد تفسيرها فى اللجوء إلى روشتة الأداء التى انتهجها مبارك ورجاله. منحنى الأداء، وكذا مستوى معيشة المواطن، فى هبوط منذ عصر مبارك. وفى تقديرى أن من يقارن بين بعض المؤشرات فى عصر مبارك بما يناظرها الآن، لا يقل بؤساً عن أعضاء جماعة الإخوان الذين يقارنون الأوضاع أيام مرسى بالأوضاع الحالية. كلا الطرفين يهمل الأسباب التاريخية التى تعود إلى عصر مبارك، والأسباب المرتبطة بأداء أنظمة الحكم بعد الثورة والتى جاءت مفارقة بشكل حاد لأهداف هذه الثورة!
حدثنى عن مطالب الثورة فى محاربة الفساد، وقيّم لى الشوط الذى قطعناه فى هذا المضمار. نعم هناك جهود تبذل من بعض الجهات، مثل الرقابة الإدارية، وبين الحين والآخر يتم الكشف عن إحدى قضايا الفساد، لكن الأمر لم يأخذ شكل النهج أو السياسة التى تستهدف تغيير الثقافة «المباركية» التى جعلت من نسبة لا بأس بها من المواطنين ما بين فاسد بالفعل أو فاسد ينتظر الفرصة، حدثنى عن ملف الحريات والتخلى عن فكرة الحزب الواحد والصوت الواحد والذى مثل سبباً أساسياً من أسباب قيام ثورة يناير.. حدثنى عن مطالب الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور.. وقل لى ماذا حدث فى هذا الملف... حدثنى عن ملفات التعليم والصحة وغيرها.
قد يقول قائل إن أموراً تغيرت وأوضاعاً تحسنت، ولست أختلف مع هؤلاء، لكن ثمة فارقاً بين بعض التحسينات الجزئية التى تقع هنا أو هناك، وبين الحلم بأن يصبح الإصلاح نهجاً عاماً للدولة والمجتمع، كما كانت تنادى ثورة يناير.
أرجو أن يتنبه من أدمنوا سب يناير والينايرجية إلى أنهم يسيئون بذلك إلى الدستور، وإلى النظام السياسى الحالى بكل عناصره ومؤسساته، لأنه لولا ثورة يناير لكان «جمال مبارك» هو من يحكم مصر اليوم.
طلب واحد أطلبه من المثرثرين فى حق الثورة ومن شاركوا فيها وآمنوا بها، أن يتذكروا أن «مبارك» ما زال حياً.. أرجو من هؤلاء أن يتمتعوا بالشجاعة الأدبية ويطالبوا بعودة مبارك للحكم، ومكانه معروف.. فليذهبوا إليه ويجلسوه على عرش مصر من جديد، بدلاً من تصديع رؤوسنا بـ«الرغى البطال». وإذا كان ردهم على هذا المطلب أن مبارك رجل مريض وطاعن فى السن -شفا الله الجميع- فأقول لهم «البركة فى ابنه».. الوريث موجود.. شدوا حيلكم!