فى مقال اليوم نعرض بعض أهم القوانين المطلوبة لتقنين مواد فى الدستور، سواء بتشريع قوانين جديدة أو تعديل الموجود منها، ونبدأ من المادة السادسة فى الدستور التى تنص على أن «الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية، والاعتراف القانونى به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه. ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية» ويلاحظ أن المادة لم تشترط أن تكون الزوجة مصرية فى حالة الأب وأن يكون الزوج مصرياً فى حالة الأم، وفى ضوء مشكلات أبناء المصريات اللائى يتزوجن من أجانب، فإنه من المطلوب مراجعة شاملة لقانون الجنسية فى ضوء الدستور، وأخذاً فى الاعتبار تزايد أعداد المصريين العاملين والمقيمين فى دول العالم المختلفة ومشكلات متعددى الجنسية بينهم، وأيضاً فى ضوء الجدل الذى ثار فى الفترة الأخيرة حول منح الجنسية المصرية للأجانب من المستثمرين مقابل وديعة بنكية، وأخذاً فى الاعتبار بعض الآراء المطالبة بإصدار تشريع لإسقاط الجنسية عن الفلسطينيين كما جاء فى تصريح منسوب للنائب أبوالمعاطى مصطفى.
وثمة حاجة أساسية لمراجعة قانون الأزهر لتحقيق مقاصد المادة السابعة من الدستور التى تنص على أن «الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء». وتشتد الحاجة إلى تطوير قانون الأزهر الذى صدر عام 1961 وأدخلت عليه تعديلات متعددة كان بعضها بتأثير أحداث وأوضاع مرحلية كما فى التعديلات التى أصدرها الرئيس السيسى بقرار بقانون بتعديل بعض أحكام ذلك القانون، التى «استهدفت إعادة الاستقرار إلى مناخ التعليم والعمل فى جامعة الأزهر، حيث يُعاقَب بالعزل من الخدمة بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس، والعاملين بالجامعة من غير أعضاء هيئة التدريس ومن فى حكمهم، وبالفصل -بعد تحقيق تجريه الجامعة- بالنسبة للطلاب، كلُ من يتورط فى أى أعمال من شأنها إلحاق ضرر جسيم بالعملية التعليمية والنيل من هيبة جامعة الأزهر الشريف وعرقلة أداء رسالتها التعليمية».
وتلك الأهداف المرحلية تتطلب المراجعة مع استقرار الأمن وانحسار موجة الإرهاب، وكذلك فى ضوء الحاجة إلى تعظيم دور الأزهر فى تجديد الخطاب الدينى والمطالبة المستمرة لهيئاته بتطوير وتحديث برامجه التعليمية والانفتاح على المجتمع المدنى لتشكيل جبهة صلبة فى مواجهة الأفكار والدعاوى التكفيرية والإرهابية.
من جهة أخرى، فإن مواد الدستور تحدد صورة المجتمع الذى يقوم على التضامن الاجتماعى، ويلزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذى ينظمه القانون (مادة8)، وأن تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز (مادة 9)، وأن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها (مادة 10). إن المطلوب تحقيق مقاصد تلك المواد الدستورية بقانون شامل ينظم التزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وحماية الأسرة وتوضيح آليات رعايتها والحفاظ على تماسكها!
وجاءت المادة الحادية عشرة من الدستور لتطرح تحدياً مجتمعياً بضرورة أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها، كما تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكينها من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجاً.
تلك المبادئ الدستورية يجب ألا تتجمد بين دفات الدستور وكتب القانون الدستورى والبحوث والأوراق الأكاديمية، بل من واجب الحكومة ومجلس النواب اقتراح القوانين لتنفيذ تلك المبادئ وترجمتها إلى نظم وإجراءات وآليات عملية ومتابعة تفعيلها.
وبالمثل، فالمطلوب أن يتضمن مشروع قانون العمل الجديد نصوصاً تترجم المقاصد الدستورية التى جاءت فى المادتين 12 و13 من الدستور، وتؤكد أن كفالة الدولة لحق العمل دون إلزام المواطن بالعمل جبراً إلا فى أحوال ينظمها القانون وفقاً لما جاء بالدستور. كما يحدد مشروع القانون كيفية تحقيق الدولة التزامها بالحفاظ على حقوق العمال، وبناء علاقات عمل متوازنة بين طرفى العملية الإنتاجية، وكفالة سبل التفاوض الجماعى، وحماية العمال من مخاطر العمل وضمان توافر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية. والمطلوب أيضاً أن يؤكد القانون تفعيل النص الدستورى بحظر فصل العمال تعسفياً. وقد أعرب وزير القوى العاملة عن أمله فى صدور قانون العمل الجديد فى النصف الأول من عام 2017، لأهميته بالنسبة لتوفير فرص عمل للشباب بالانخراط فى العمل بالقطاع الخاص دون تخوف أو قلق نتيجة حظر الفصل التعسفى، ووضع ضمانات منضبطة لإنهاء علاقة العمل. كما يرسى القانون مبدأ ربط الأجر بالإنتاج لطمأنة المستثمر الوطنى والأجنبى، ويعالج بطء إجراءات التقاضى، وإطالة أمد النزاع بين طرفى علاقة العمل.
وقد وردت المادة 14 لتؤكد حق المواطنين فى شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وتكليف القائمين بها لخدمة الشعب، وكفالة حقوقهم وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم فى رعاية مصالح الشعب، وعدم جواز فصلهم بغير الطريق التأديبى إلا فى الأحوال التى ينظمها القانون. ومقتضى تلك المادة أن يتابع مجلس النواب تنفيذ قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 ومدى تحقيقه لأهداف ومقاصد الدستور فى مجال تنظيم الوظائف العامة.
وقد قررت المادة 15 من الدستور أن «الإضراب السلمى حق ينظمه القانون»، وفى ضوء أن المحكمة الدستورية العليا قد قضت بعدم دستورية المادة العاشرة من قانون تنظيم الحق فى التظاهر فى ديسمبر 2016، وأخذاً فى الاعتبار أن قانون العمل الحالى رقم 12 لسنة 2003 قد نص فى المواد 192 إلى 195 على قواعد تنظم ممارسة هذا الحق، وكذلك جاء نص المادة 96 من القانون ليعتبر أن الإضراب أو الدعوة إليه من قبيل الخطأ الجسيم الذى يبرر لصاحب العمل فصل العامل، كما حظر على العامل الإضراب أو الدعوة إليه طبقاً لنص المادة 192 فى المنشآت المحددة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1185 لسنة 2003، وهى المنشآت الحيوية والاستراتيجية؛ وذلك فى الحدود وطبقاً للضوابط والإجراءات المقررة فى هذا القانون»، يتضح من كل ذلك أن الحق الدستورى فى الإضراب السلمى قد كبله القانون، خاصة مع وضع محظور بحظر الإضراب إذا كان الهدف منه تعديل اتفاقية عمل جماعية أثناء سريانها أو خلال مرحلة الوساطة والتحكيم.
ومع خلو قانون الخدمة المدنية من أى نص يتعلق بموضوع الإضراب، ومع الخلط البادى فى القوانين التى تتعامل مع حق الإضراب السلمى لأسباب مهنية وبين الحق فى التظاهر لأسباب سياسية أو غير مهنية، فإن من الواجب إصدار تشريع جديد يترجم الحق فى الإضراب السلمى إلى إجراءات تنفيذية لا تتعارض مع النص الدستورى ولا تعرقل تنفيذه.
وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله!