- حقن الدماء هو أعظم الطاعات، وإحياء الأنفس أعظم القربات، والصلح بين الناس هو مهمة المحسنين، والجمع لا التفريق من أعظم الطاعات «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً».
- وأحسب أن المؤتمر الذى عقده مجلس حكماء المسلمين برئاسة شيخ الأزهر د/أحمد الطيب وبحضور الفريق سوار الذهب من أعظم حسناتهم، الطيب وسوار الذهب يجمعهما الزهد فى الدنيا والتصوف الحقيقى وليس المزيف أو الشكلى.
- والبشرية الآن تتصارع على الفتات والمناصب ومغانم الدنيا التافهة ويقتل ويفجر ويعذب ويشرد بعضها بعضاً.
- وأعظم ما يقدمه المصلحون لأممهم وللبشرية الآن حقن هذه الدماء التى تجرى كالأنهار فى كل مكان، خاصة الدماء فى بلاد العرب والمسلمين باسم الدين تارة والمذهب أخرى والعرق ثالثة، والبعض يسعى لتكوين دولة دينية أو مذهبية أو عرقية على أشلاء ودماء الآخرين، فبئس هذه الدولة التى تبنى على الأطلال والخراب.
- دكتور أحمد الطيب أراد أن يحقن دماء المسلمين فى بورما، والدماء فى كل مكان، ولن تحقن الدماء بالهياج الإعلامى أو السب أو الشتم والتهييج على الآخر، ولكنها تحقن وتعصم بلم شمل الأطراف جميعاً وإقناعهم بالحلول السلمية والتعايش السلمى وأن يتنازل كل طرف عن بعض مطالبه ومطامعه ورغباته العليا ليسود الوئام بين المتحاربين.
- لقد جمع شيخ الأزهر كل الأطراف البورمية المتنازعة فى ولاية أراكان بـ«ميانمار» التى قتل فيها آلاف المسلمين وشردوا ونزعت هوياتهم فأصبحوا كالسوائم لا وطن، ولا سكن، ولا أمان، ولا جنسية، حتى اعتبرت الأمم المتحدة مسلمى بورما بأنهم أكثر الأقليات اضطهاداً فى العالم منذ سنوات.
- وبدلاً من شكر فضيلة الإمام د. أحمد الطيب على هذه الخطوة غير المسبوقة فى تاريخ الأزهر إذا بالمؤتمر لا يحظى بالتغطية الإعلامية الجديرة به، ولم يكتب عنه كتاب الأعمدة مقالاً واحداً، ولم يحتف كاتب مصرى واحد بشخصية فريدة نادرة مثل الفريق سوار الذهب الذى أعتبره أشبه الناس بالحسن بن على «رضى الله عنه» رائد فقه الصلح، الذى ليس له مثال فى بلاد العرب جميعاً، لقد دفعت إحدى القنوات المصرية قرابة نصف مليون جنيه للاعب رونالدو، فضلاً عن استضافته فى دبى وغمرت القاهرة بالإعلانات التى تبشر المصريين بالسبق الإعلامى، أما سوار الذهب وهو أعظم رئيس عربى زاهد أجرى أنزه انتخابات فى تاريخ العرب وترك الحكم طواعية لم تفكر فى استضافته أى قناة، كفاهم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ممن لا يضيفون شيئاً إلى المستمع لا علم ولا خلق ولكن رقص وجهل وتفاهة.
- وزاد الطين بلة أن بعض الجهلة أساءوا لشيخ الأزهر لأنه قال فى المؤتمر: البوذية دين إنسانى وأخلاقى فى المقام الأول، وبوذا الحكيم الصامت كان يتميز بالهدوء والعقلانية ويدعو إلى الرحمة والعطف، وكان متسامحاً وسهلاً ليناً «فامتلأت صفحات شبكات التواصل الاجتماعى بالتطاول على الشيخ لأنه قال عن البوذية إنه «دين».
- لقد نسى هؤلاء وأكثرهم مسلمون متدينون ما ذكره القرآن عن عقيدة ملك مصر الوثنية فى عهد يوسف عليه السلام «مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ».
- وكون شيخ الأزهر يمدح بوذا فلا حرج فى ذلك، وقد أعجب رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بشجاعة عنترة بن شداد وشعره أيضاًً رغم أنه لم يكن مؤمناً، وأعجب بكرم حاتم الطائى وكان كل منهما قبل الإسلام ولم يؤثر عنهما اتباع دين إبراهيم.
- وقد أكرم رسول الله سفانة ابنة حاتم، وكذلك عدى شقيقها إكراماً لأبيهما.
- ومدح رسول الله «صلى الله عليه وسلم» نصرة المظلوم فى قريش، الذى تمثل فى «حلف الفضول»، وقال: «لو دعيت إليه فى الإسلام لأجبت» ليسبغ على هذا الحلف الشرعية الدينية، فنصرة المظلوم إن أتت من أى أحد فهى حسنة ونبيلة ومشروعة، وكذلك رعاية الأيتام وإطعام الطعام وحقن الدماء وبذل المعروف، فإن كانت لله جمعت ثواب الدارين، وإن كانت للدنيا أو للشهرة فهى خير أيضاً لأصحابها فى الدنيا.
- يندر أن يجود الزمان بـشيخ خلوق مهذب وراق زاهد مثل د. الطيب الذى أساء إليه الكثيرون بغير حق فصبر وصفح الصفح الجميل، لم تخرج منه يوماً كلمة نابية، لم يقبل هدايا الملوك، لم يتربح يوماً من الدين، لم يتزلف يوماً لأهل الدنيا، رفض هدايا بالملايين من ملوك وأمراء، ورغم ذلك يخرج بين الحين والآخر أحد الأقزام يتطاول عليه، أو بعض الذين لم يركعوا لله ركعة أو لم يحسنوا يوماً لأحد خلقه ليسىء إليه وهو لا يستطيع أن يفعل ذلك مع أولى السطوة والجبروت ولا أن يشير إليهم لأنهم يعلمون أن الشيخ لا سند له إلا الله.