جريمة السطو التى قام بها الدكتور عبدالفتاح العوارى، الذراع اليمنى للشاب محمد عبدالسلام، تؤكد على وجوب وقفة حول الظواهر غير الصحية فى البحث العلمى والكتابة، وخلاصة ما حدث لمن لا يعرف أن الدكتور العوارى، عميد كلية أصول الدين، والمرشح لجماعة كبار العلماء، ورئاسة جامعة الأزهر، وممثل الأزهر فى المؤتمرات الرسمية ورجل المشيخة، قام بسرقة بحث كامل للدكتور محمد رمضان البوطى، ونشره باسمه فى مجلة الأزهر، عدد ربيع الأول، بعد تطعيمه بزيادات لإخفاء جريمة السطو، ثم ارتكبت المجلة جريمة التستر عليه بأوامر من «عبدالسلام»، حيث نشرت تصويباً فى عددها الأخير اعتبرت ما حدث بأنه سهو من المشرف الفنى للمجلة، وقد ذكرت ١٠ دلائل على بطلان هذا الاحتمال!!
إن الإسناد فى النقل من أهم القواعد المنهجية فى البحث والكتابة، وإلا فإنه لو حدث تلاعب فيه لفشت فى البيئة العلمية آثار الكذابين، ولذلك قالوا: «الإسناد من الدين»، هذا فيمن يقول كلاماً منقولاً دون عزو، وتزيد المشكلة عندما تنقل كلاماً لغيرك وتنسبه لنفسك، وهذا دليل على العجز، لترتفع على حساب غيرك، فتكون من الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، وقد امتلأت رسائل التخصص والدكتوراه بأنواع من التزييف، فترى باحثاً ينقل دون أن ينسب، وآخر ينسب ما لغيره لنفسه، وثالثاً يذكر اسم كتاب فى الهامش لم يره، ليدخل على البحث العلمى من باب خلفى حباً فى الشهرة، وكما قالوا: «إذا كنت خاملاً فتعلق بعظيم»، فيلبس ثوباً ليس له، وتتحرك نفسه خسة للبروز والظهور، حتى يسطو على عمل غيره -كما فى حالة د. العوارى.
فى هذا الاتجاه ظهرت نماذج مشرقة، فالعلامة الأستاذ عبدالفتاح أبوغدة ذكر حديثاً ونسبه إلى «صحيح مسلم»، فنبهه أحد طلبة العلم إلى خطئه، وانصرف الطالب، وقام أبوغدة بتصويب الخطأ، لكنه نسى اسم الطالب، فوجه نداء إلى الطالب عبر أحد كتبه يدعوه للتعرف عليه حتى يذكر اسمه، باعتباره صاحب الفضل فى هذه المعلومة.
وأذكر أنه أثناء إعدادى للدكتوراه (لم تناقش بعد) نقلت كلاماً عن الشيخ محمد الغزالى، فاعترض أحد مشرفى الرسالة على عبارة فى كلام الغزالى، وطالبنى بتعديلها، فقلت له: إن التعديل معناه تحريف فى كلام الشيخ، العبارة تنقل كما هى ويمكننا التعليق عليها.
والاقتباس نفسه له قواعد، فلا يجوز الاقتباس الحرفى إذا تجاوز الاقتباس صفحة، بل يصوغ الكاتب المعنى بأسلوبه الخاص، ويشير إلى أن هذا المعنى مقتبس من كتاب كذا، ثم كل دولة لها نظامها فى التجريم القانونى لمن يقتبس عدداً كبيراً من الصفحات دون فاصل (ملحوظة: العوارى اقتبس بحث البوطى المكون من ٧ صفحات كاملاً).
بل وصلت الدقة أن اختلف الباحثون فيما لو أن باحثاً اقتبس من مرجع فيه خطأ، هل ينقل الكلام بخطئه أم ينقله مصححاً؟ هناك من يلتزم الدقة فينقل الكلام بخطئه كما هو ويصوب فى الهامش، وهناك من يصوب الخطأ ويشير فى الهامش إلى النص الأصلى الذى به الخطأ.
وفى ذكر الألقاب مدرستان، هناك من يرفض الألقاب، فلا يقول الدكتور أو الأستاذ أو العالم، لكن ذكر الألقاب أفضل، عملاً بمبدأ: «أنزلوا الناس منازلهم»، وللتمييز بين الأسماء المتشابهة، فهناك مثلاً ابن كثير المؤرخ والمفسر وابن كثير عالم القراءات، فذكر الألقاب يزيل اللبس، وقد نشرت مجلة الأزهر مؤخراً مقالاً للدكتور صابر عبدالدايم، عميد كلية اللغة العربية بالزقازيق، عن العالم الأزهرى الدكتور على الخطيب، رئيس تحرير مجلة الأزهر السابق، فإذا بالكاتب يتحدث طوال المقال عن شخص آخر هو الدكتور على الخطيب الشطورى، الأستاذ بكلية اللغة العربية بجرجا، فتحدث عن واحد وهو يقصد غيره.