سوريا العزيزة على قلب كل مصرية ومصرى هى اليوم فريسة رباعية ظلامية؛ نظام الحكم الدموى المتورط فى جرائم إبادة جماعية وقتل وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بعض جماعات المعارضة المسلحة التى تشوه ثورة شعبها بعمليات عنف وانتقام ضد المدنيين، المذهبية المقيتة التى توظفها بعض قوى الداخل السورى وعدد من الدول العربية، الإجرام الإسرائيلى والحسابات المتضاربة لمصالح القوى الكبرى التى ترتب حالة مهينة ومخزية من اللافعل العالمى إزاء نزيف الدم السورى والدمار المتصاعد.
فنظام المجرم بشار الأسد لم يفعل طوال سنوات حكمه التى سبقت ولادة الثورة السورية إلا قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وتعقب المعارضة بعنف بالغ. ولم يوظف الأسد وميليشيات جيشه وشبيحته طوال عامى الثورة السورية المنصرمين (٢٠١١ - ٢٠١٣) إلا إبادة المدنيين الجماعية وعمليات القتل واسعة النطاق وتدمير المدن والقرى والتهجير. وكل هذا حوّل نسبة كبيرة من الشعب السورى إلى لاجئات ولاجئين تُنتهك حقوقهم وإنسانيتهم، إنْ فى معسكرات على الحدود السورية مع تركيا والأردن أو فى لبنان. وكذلك فى مصر التى يصل اليوم عدد اللاجئين السوريين بها إلى قرابة المليون، وأغلبيتهم الساحقة تعانى من أوضاع كارثية وتتعرض أجسادهم وكرامتهم الإنسانية لانتهاكات مستمرة وهم يبحثون عن لقمة العيش والملاذ الآمن، وتُجبر النساء على علاقات استغلال صريحة وإن تسترت بالرخص الشرعية. لا ينبغى على الإطلاق المساومة على ضرورة إسقاط نظام الأسد ومحاسبة مجرميه على ما فعلوه فى سوريا وتمكين شعبها من الانتصار لثورته التى طلبت الحرية والديمقراطية والمواطنة.
لا ينبغى على الإطلاق التغافل عن جرائم الأسد والصمت عنها والتنازل عن ضرورة إسقاط نظامه المجرم حين تعتدى إسرائيل بآلتها العسكرية المجرمة على سوريا.
والثورة السورية، وإزاء إجرام وعنف النظام، جلبت لسوريا جماعات مسلحة تقاوم الأسد وهى فى إجرامها واستبدادها وإرهابها وتطرفها لا تختلف عنه كثيراً. مثل هذه الجماعات التى تسلحها وتمولها بعض الدول العربية والغربية، ويتحدث تقرير أخير للمفوضة الأممية كارلا ديل بونتى عن احتمالية تورطها فى استخدام غاز السارين السام ضد المدنيين، ترتكب فظائع ضد المدنيين وتوظف ذات أدوات نظام الأسد الإجرامية.
هنا، وعلى الرغم من شبه الاستحالة العملياتية لإبعاد هذه الجماعات، يتعين على أصوات الحرية والديمقراطية والمواطنة فى الثورة السورية التنصل من جماعات العنف والإرهاب والتطرف وعدم منحها جواز مرور واعتراف بشرعية الوجود عبر التأييد والتحالف. فخطر هؤلاء على سوريا اليوم وبعد انتصار ثورتها لا يختلف عن نظام الأسد وميليشياته وشبيحته وأعوانه.
ذات الجماعات هذه، وبدعم من بعض الدول العربية وبعض تيارات اليمين الدينى صاحبة المرجعيات السلفية والجهادية المتطرفة، هى المسئولة عن تحويل مسارات الثورة السورية جزئياً إلى صراع مذهبى مقيت. تماماً كما فعلت القاعدة والتنظيمات المشابهة لها فى عراق ما بعد الديكتاتور صدام حسين، تدعى الجماعات المسلحة المتطرفة سعيها لنصرة «أهل السنة» على «الشيعة» وغيرهم من «الطوائف» ويضغط أذناب هذه الجماعات من المتطرفين فى الدول العربية ومن بينها مصر وهم يوردون الإرهابيين إلى سوريا على الحكام (مستبدين ومنتخبين) للتدخل لنصرة أهل السنة.
مذهبية مقيتة كهذه تحيد بالثورة السورية عن مساراتها الباحثة عن الحرية والديمقراطية، وتفكك مفهوم المواطنة السورية المتجاوزة لحدود الدين والمذهب والعرق والطائفة، وتفتح من ثم أبواب جهنم المتمثلة فى تفتيت سوريا وصناعة دويلات طوائف على أرضها وفرض حالة ممتدة من عدم الاستقرار بعد إسقاط نظام الأسد.
لا ينبغى إذن أن نخلط بين الانتصار للثورة السورية والتضامن معها، وبين التورط فى كارثة المذهبية المقيتة وتبريرها أو استساغتها، فالجماعات السلفية والجهادية المتطرفة وأذنابها فى بلاد العرب ومصر هم أعداء الحرية والديمقراطية والمواطنة وخطر مذهبيتهم على سوريا عظيم.
والضلع الأخير فى الرباعية الإجرامية التى تفترس سوريا العزيزة هو تورط إسرائيل العسكرى واللافعل العالمى المستمر إزاء جرائم الإبادة الجماعية والقتل والتدمير والتهجير التى يتعرض لها الشعب السورى والمرتبط بتناقض حسابات مصالح القوى الكبرى.
تعتدى إسرائيل على سوريا، بقصفها لمواقع ميليشيات الأسد، والبعض فى العالم العربى يصمت والقوى الغربية الكبرى توافق وجماعات التطرف والمذهبية تحتفل.
والصراع بين الغرب من جهة، وروسيا والصين وإيران من جهة أخرى، يطيل من عمر نظام المجرم الأسد ويمكنه من مواصلة جرائمه ويخلق مساحات واسعة لتسليح معارضى الأسد حتى وإن كان إجرامهم وتطرفهم لا يختلفان عنه قيد أنملة، فى استنساخ كامل لتجربة الحرب الأفغانية بعد الاحتلال السوفييتى فى 1979.
الإجرام الإسرائيلى مدان، واللافعل العالمى مخزٍ، واستمرار القوى الكبرى والإقليمية فى تسليح الأسد وتسليح معارضيه المتطرفين كارثة بحق الشعب السورى وثورته التى ينحرف بها العرب والعالم عن مسارات الحرية والديمقراطية والمواطنة. ما زلت مع الثورة السورية ضد رباعية إجرام الأسد وبعض معارضيه المتطرفين وضد إجرام أنصار المذهبية المقيتة الذى يفتتون سوريا وإجرام إسرائيل وتواطؤ القوى الكبرى.
مع الثورة السورية ومع حق شعبها العظيم فى الحرية والديمقراطية والمواطنة.