سوف يصيبك الذهول عندما تعلم أن الكلمات التى بلغت حد الشذوذ فى تناقضها وظهر البون الشاسع بينها, والتى ستقع عليها عينك، خرجت من كتلة واحدة، ووفق مبدأ «تصرفاتنا محكومة بالإسلام».
قالت الجماعة عن «ساويرس»: هو الفاسد المخرب الوضيع الفلول العميل المتورط فى أعمال تجسس بسيناء، المشارك فى مؤامرة على الثورة والرئيس، نهبَ المال، أهلكَ الحرث والنسل، حاربَ الإسلام، حضَّ على الدعارة، شتمَ الحجاب، سبَّ الدين للمسلمين، هرَبَ بأربعة عشر ملياراً من مال الشعب، وقف أمام تطبيق الشريعة، موَّل نشاطات تخريبية لمنظمات قبطية متطرفة، استخدم «موبينيل» لرسائل تدعو للعنف والتخريب والفتن، موَّل فلول الحزب «المنحل»، وأما قنواته «ontv» فإنها أساس الفساد، وهى المجارى التى طفحت فى بيوت مصر بسعيها الدؤوب لنشر الفتن والأكاذيب ومحاربة المشروع الإسلامى وتعطيل النهضة.
وعلى ذلك قامت حملة فى المساجد تدعو لمقاطعة شركة «موبينيل» والتحول لغيرها، وقد أخبرنى شخص معروف بتدينه أنه لما ترشح للبرلمان عن حزب «المصريين الأحرار» قال عنه الإخوان إنه يخدم الكنيسة، وإن «ساويرس» دعمه بالمال لمحاربة الإسلام، لم أكذبه لأننى سمعت الإخوان بأذنى يقولون عنه هذا الكلام.
ثم اليوم هو: الوطنى الشريف الكريم الأمين المحترم الداعم لخير مصر وشبابها، وها هو ممثل عن الرئاسة يخرج لاستقباله فى المطار تقديراً لدوره فى خدمة مصر ونهضتها، فى سلوك يدل على اعتزاز استثنائى وتكريم فريد، ثم منحه هدية تقديرية لائقة عبارة عن تعويضات عقارية فى خليج السويس بنصف قيمتها الحالية، كما قالت الحكومة.
هذا التحول الضخم وإن صح قانوناً فإنه -وهذا هو المهم-ـ ينافى ويناقض أولويات الدين والصدق والأمانة، ويضعنا أمام جريمة أخلاقية كاملة أركانها، لا تخرج عن احتمالين لا ثالث لهما: إما أن الرجل خائن وعميل ووضيع ومحرض على التخريب بأمواله ورجله وخيله، وهنا يكون قرار استقبال الدولة له بالمطار ومنحه الأراضى دعماً للخائنين والعملاء والمحرضين، وإما أن الرجل طاهر وصادق وشريف، وهنا تكون الميليشيات الإخوانية التى اتهمت الرجل ليل نهار فى وطنيته وماله وإعلامه، ووصفته بالخيانة والتحريض والتخريب ترد إليها هذه الأوصاف، بل يجب أن تعتذر له اعتذاراً واضحاً، وتعترف بأنه لم يكن محرضاً بأمواله ولا بإعلامه ولا بحزبه فى يوم من الأيام.
مبرارات الإخوان غير المعلنة أن حاجتهم إلى استثماراته دفعتهم لتكريمه ورفع قرار المنع من السفر عنه، وهو منطق عبثى وعلمانى، عبثى؛ لأنهم يقولون إن أمواله تستخدم فى التحريض ضد المشروع الإسلامى والثورة، وعلمانى؛ لأنه تغيير للمبادئ والقيم لأجل المصلحة المادية وتحويل الإنسان إلى سلعة، وما العلمانية إن لم تكن هى هذا؟!
الغريب أن شباب «الجماعة» الذين أصدروا قاموساً من التهم والسباب فى حق الرجل وأمواله وإعلامه وحزبه وهللوا لقرار منعه من السفر تحولوا بقدرة قادر للتهليل بتكريمه واستقباله والعفو عنه، أفلا يعقلون؟ أفلا يفكرون؟ لا، لأن القاعدة الراسخة عندهم: «إخواننا فى مكتب الإرشاد يعلمون ما لا نعلم، ويرون ما لا نرى، فعلام نفكر؟!