(١) هذا هو المقال (١٢) من سلسلة مقالات «الإخوان والحق المر»، وفيه نستكمل ما أدلى به المستشار المأمون الهضيبى فى آخر حوار له لصحيفة «آفاق عربية»، الذى نشرته فى ٨ يناير ٢٠٠٣، أى قبل وفاته بساعات.. ويعكس الحوار رؤية الرجل تجاه أهم القضايا التى شغلت الرأى العام فى مصر فى بداية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، خاصة قضيتى الإصلاح، والتوريث، إضافة إلى قضية الضغوط الأمنية التى كانت تتعرض لها الجماعة، وقضية الحجاب فى فرنسا.. وسوف يلاحظ القارئ الكريم أن «الهضيبى» لم يكن يعكس رؤية الجماعة فقط، وإنما المعارضة بشكل عام.. وإلى نص الحوار:
س٤: ما رؤيتكم لأولويات الإصلاح فى مصر؟ هل هى تتركز فى الإصلاح السياسى فقط؟
ج: الإصلاح السياسى هو المدخل الرئيسى والوحيد لجميع مفردات الإصلاح الأخرى، رغم أهميتها، وفى المقدمة الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى والتربوى والتعليمى.. إلخ، فلا سبيل -مع جمود النظام السياسى وفساده- إلى إجراء إصلاحات فى كل مؤسساته الأخرى، التى هى أيضاً ضرورية، ونحن فى أشد الحاجة إليها.. وواقع الحال يؤكد ذلك، فلأكثر من ٥٠ سنة مضت، تعالت صيحات أنه لا يوجد إصلاح سياسى إلا بعد الإصلاح الاقتصادى.. وما حدث أن الإصلاح الاقتصادى انهار، واستشرى الفساد، وانهار التعليم، وانهارت الثقافة، وانهارت الحياة الاجتماعية والقيم الأخلاقية.. وباستثناء القلة المستأثرة بالسلطة والثروة، فإن جميع طوائف الشعب وجميع المثقفين والمفكرين أكدوا مراراً وتكراراً أنه لا بد من تحقيق إصلاح سياسى وإصلاح نظام الحكم ومؤسساته، وأنه لا خروج للأمة من أزماتها المتلاحقة التى تكتنفها إلا إذا تحقق ذلك.
س٥: تحدث الرئيس مبارك فى الأسبوع الماضى مؤكداً أنه لا توريث للحكم فى مصر.. كيف استقبلتم هذا التأكيد الواضح؟
ج: ربما قصد السيد الرئيس أنه لن يستخلف ابنه السيد جمال مبارك بعده وهو بهذا لعله أنهى مقولة استقرت منذ نحو عامين، وكان واقع الحال يؤيدها، وهو أن الإعداد يتم لكى يتولى السلطة السيد جمال مبارك بعد والده.. ولكن حقيقة الحال أن التوريث قائم ولا يزال مستمراً حتى ولو تم اختيار آخر غير السيد جمال ليخلف السيد الرئيس، فالسيد جمال عبدالناصر ورث السلطة فى مصر للرئيس أنور السادات، لأنه جعله النائب الوحيد له، وهو يعلم أنه بنص الدستور سيتولى السلطة بعده، ولو بصورة مؤقتة، ولكن سيقبض على زمام الأمور خصوصاً مع انعدام وجود أى شخصية أخرى يمكن التطلع إليها لتتولى السلطة غيره.. ونفس الحال حدث بتعيين الرئيس أنور السادات للسيد حسنى مبارك نائباً أوحد له، والتمكين له فى السلطة، فلما خلا مكان الرئاسة كان هو القابض على زمام الأمور، وأيضاً انعدام أى شخصية يمكن التطلع إليها.. ونحن الآن فى نفس الوضع (ملحوظة: ليس هذا هو التوريث الذى رفضته قوى المعارضة، ومحاولة «الهضيبى» اعتباره مثل توريث الابن خطأ واضح واستشهاد فى غير محله، هذا فضلاً عن أن حسنى مبارك لم يتخذ نائباً).. يستطرد «الهضيبى»، فيقول: والسبب الرئيسى فى هذا هو انعدام وجود مؤسسات دستورية وقانونية ذات حقيقة وأثر وفاعلية، تشارك بجدية فى إدارة مؤسسات الدولة.. ففيما عدا مؤسسة الرئاسة، فإن المؤسسة التشريعية (مجلسى الشعب والشورى) متهالكة الضعف، وليس لها أى فاعلية حقيقية فى تسيير شئون وأمور الدولة، وبالتالى فالفراغ قائم.
س٦: إذاً ما الحل من وجهة نظركم؟
ج: نحن نادينا مراراً وتكراراً بأن يجرى إصلاح سياسى يؤكد الحريات العامة والخاصة ويصونها، ويؤكد احترام الدستور والقانون وإنفاذهما بجدية صحيحة، بما يحقق العدل والإنصاف، ويصون كرامة المواطن، وما يؤدى إلى أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وحقيقية من أولها إلى آخرها، معبرة تعبيراً صحيحاً وصادقاً عن الإرادة الشعبية، ومن ثم تكون المشاركة الشعبية حقيقية، ويكون المجلس النيابى له سلطة فاعلة وقادرة مع باقى مؤسسات الدولة على الحفاظ على كيانها.. وتتطور القيادات السياسية بصورة سلمية وأيضاً بصورة تنافسية تسمح باختيار الأجود والأصلح والأكثر تأييداً من الشعب.. وأن يكون المجلس النيابى له سلطة المحاسبة وإحداث التغيير السلمى إذا لزم الأمر.. وهذا يقتضى بالضرورة إلغاء حالة الطوارئ المستمرة منذ أكثر من ٢٢ عاماً (ملحوظة: ظل حسنى مبارك يحكم مصر من خلال قانون الطوارئ طيلة ٣٠ عاماً، إلى أن جاءت ثورة ٢٥ يناير)، كما يقتضى الأمر إيجاد هيئة موثوق بها وبنزاهتها، تتولى الانتخابات والإشراف الحقيقى على كل مفرداتها من أول تحرير كشوف الناخبين ووضع نظام انتخابى مناسب مستقر غير عرضة للتعديل بين كل دورة وأخرى.. وأيضاً لا بد من إطلاق حرية الإعلام بكل أنواعه، وحرية الاجتماعات العامة، وحرية تشكيل الأحزاب.. إلخ ما أصبح معروفاً وما نادت به جميع المؤسسات والأحزاب طوال العشرين سنة الماضية.
س٧: هل تتعرضون حالياً -كجماعة- لمزيد من الضغط الأمنى، أم أن الأمور عادية؟
ج: الضغط الأمنى واقع بصفة مستمرة لم تتغير ولم تتبدل، بل إنه ازداد منذ بداية التسعينات، ودائماً تتعرض أعداد غير قليلة من الإخوان للاعتقال وللسجن وللمحاكمات العسكرية، فضلاً عن التعذيب والإهانة ومحاربة الناس فى أرزاقهم.
س٨: مؤخراً أعلن شيخ الأزهر أن قضية الحجاب فى فرنسا مسألة داخلية، وأن المرأة التى تجبر على خلع الحجاب هناك تأخذ حكم المضطرة.. ما رؤيتكم لهذا الموضوع؟
ج: نحن أعلنا موقفنا من المشروع الذى نادى به الرئيس الفرنسى تحت بند منع المظاهرات الدينية فى المدارس، وقلنا إنه لا مجال لتطبيقه، فالفتاة المسلمة لا تستخدم الحجاب كشعار لإعلان اسمها، وإنما تستخدمه بحكم مقتضيات دينها، وإلا كانت عاصية لأمر ربها، وهذا بإجماع فقهاء وعلماء المسلمين فى جميع العصور وفى جميع البلاد، وليس فيه ما يضر بالمجتمع أو بالناس الذين يعيشون حولها.. وقلنا أيضاً إن الحقوق الإنسانية وما يقال عن المبادئ العلمانية لا تمنع أى إنسان من أن يمارس شعائر دينه، سواء طبقاً للأسس التى قامت عليها الجمهورية الفرنسية، أو مما صدر فى الحقوق العامة والمواثيق التى أقرتها الأمم المتحدة.. وكون الحجاب فريضة فإن فضيلة شيخ الأزهر أكد هذا.. غير أن ما أضافه بأن من حق الدولة الأجنبية أن تصدر من التشريعات ما تشاء ولو أجحفت بحقوق المواطن أو الأجنبى المقيم بها، فإن هذا شىء نعترض عليه.