لا أبالغ إذا قلت إن ما حدث فى قرية القطاوية بمحافظة الشرقية ليلة الخميس ونهار الجمعة الماضيين، لم يكن أبداً مجرد حادث فردى، وإنما هو جزء من ظاهرة عامة بدأت تلوح فى كل قرى مصر ومدنها، ولا أدعى هنا أى نوع من الفطنة عندما أقرر أننى توقعت قبل شهرين تقريباً مصيراً مؤلماً ووحشياً لقيادات جماعة الإخوان المسلمين وأسرهم، إذا استمروا فى حكم مصر بهذه الطريقة الكارثية وتمادوا فى إهدار حقوق المواطنين واختطاف الناشطين وتعذيبهم بطرق وحشية كافرة، واستخدام أعضاء جماعتهم فى النيابة العامة والقضاء لإصدار أحكام ظالمة بحبس المعارضين من ناحية، وتبرئة المجرمين من أعضاء الجماعة، رغم توثيق جرائم اعتدائهم على الناشطين بالصوت والصورة ونشرها على الفضائيات والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى.
والذى حدث فى قرية القطاوية أن الشاب يوسف ربيع عبدالسلام -نجل أمين حزب الحرية والعدالة بمركز أبوحماد- دخل فى نقاش عنيف مع شاب فى مثل عمره من القرية ذاتها، بسبب معارضة الأخير لحكم الرئيس محمد مرسى، وقيامه بنشر تعليقات وصور ساخرة على صفحته الخاصة فى «الفيس بوك»، وفجأة تطور النقاش إلى مشاجرة بالأيدى، فسارع نجل القيادى الإخوانى إلى سحب «طبنجة» من خصره وأطلق عدة رصاصات أصابت إحداها شاباً آخر من القرية فى مقتل، وتصاعدت الأحداث باحتشاد أهالى القرية أمام منزل القيادى الإخوانى فى محاولة لاقتحامه والقصاص من ابنه، وخلال ذلك سقط حجر كبير على رأس شاب آخر من المحتشدين أمام المنزل، وقبل وصوله إلى المستشفى لإسعافه صعدت روحه إلى بارئها، فتحولت القرية إلى كائن خرافى لا هدف له غير اقتحام منزل القيادى الإخوانى، ورغم وجود المئات من قوات الأمن المركزى وأفراد الشرطة ومعظم قيادات مديرية أمن الشرقية وعلى رأسهم مدير الأمن، واستدعاء أئمة المساجد وقيادات مديرية الأوقاف لإقناع الأهالى بترك الأمر كله للعدالة، فقد فشلت كل المحاولات بسبب اليقين الراسخ لدى الجميع الآن بأن «الإخوان» سيلجأون إلى إفساد كل أدلة القضية، وسيعثرون على قاضٍ من جماعتهم تربى على استحلال دماء وأعراض وأموال كل من ليس إخوانياً.
وقد انتهى الأمر بمشهد شديد الوحشية: لجأت الشرطة إلى الحيلة لإخراج الشاب من بيته سالماً، حيث تخفى فى ملابس امرأة منتقبة، ولكن الحشد الغاضب أدرك الخدعة فانقض على الشاب واختطفه من الشرطة، وقام المئات بسحله وضربه وتعذيبه حتى فاضت روحه.. ثم عادوا إلى منزل الأسرة وأضرموا فيه النار، وتصاعد الجنون إلى أقصى مداه بإصرار أهالى القرية على عدم الصلاة عليه فى مساجدهم أو دفنه فى مقابرهم.
إن مقتل هذا الشاب بهذه الطريقة -أياً كان الأمر- هو عمل وحشى تأباه الفطرة السليمة، ولا يمكن لإنسان بداخله قلب أو ذرة من ضمير أن يقبل هذا المصير المحزن حتى لألد أعدائه، ولا أقول جديداً عندما أشير هنا إلى أن الأخطر من هذه الطريقة الوحشية فى «أخذ الحق» هو مشاعر الشماتة والإحساس بالراحة والتعليقات التى تتلخص فى كلمة «يستاهل».. وخطورة هذه المشاعر تكمن فى أنها تعبير عن بركان غضب يعتمل فى صدور الناس من «جماعة الإخوان» الذين يمارسون -منذ وصولهم إلى الحكم- أبشع وأخطر صنوف العنف ضد الشعب كله، مرة بالكذب الممنهج -والكذب عنف رهيب لا يعرف الرحمة كما يعرّفه الزميل الموهوب جمال غيطاس فى كتابه القيم «عنف المعلومات»- ومرة بالضرب والسحل والتعذيب، ومرة بإفساد أدلة جرائم أعضائهم وميليشياتهم، ومرة بإرباك حياة الطبقة المتوسطة وتأديبها بوسائل مفرطة فى عنفها، مثل زيادة الأسعار وانفجار سعار الجباية وزيادة الضرائب، ومرة بالتعامل شديد الخسة والكبرياء المقزز مع كل المصريين.
إن بركان العنف المضاد يحدق الآن بالمجتمع كله، ومشهد السحل الوحشى حتى الموت لهذا الشاب -رحمه الله- سيكون هو المصير الحتمى لجماعة الإخوان، إذا أصروا على أدائهم السياسى والاقتصادى، وإذا لم يتراجعوا فوراً عن تدمير القضاء وعن سد كل منافذ أخذ الحق بالعدل عن طريق القضاء، فى وجوه الجميع، وليس خافياً على أحد أن زلزال التوحش وتوابعه لن تطال الإخوان فقط ولكنها ستضرب الجميع دون تمييز، وسندفع جميعاً فاتورة هذا التوحش من دمائنا وأموالنا وأعراضنا، إذا لم نشرع فوراً فى استعادة الدولة وقوانينها من براثن الإخوان.